490: فؤاد الترك: نصف قرن

السبت 17 آذار 2007
– 490 –
الشاب الزحليّ الذي كان في الخامسة والعشرين حين قرأ بالمصادفة إعلاناً في الجريدة عن امتحان للدخول الى السلك الخارجي، فتقدَّم منه ونجح الأول في تلك الدورة، بلغ اليوم خمسين سنة (1957-2007) من ترسُّله في هذا الحقل الشائك.
نصف قرن من “العمل عند رب عمل واحد: لبنان”، وهو ينتقّل بين أوتاوى (كندا)، وبوغوتا (كولومبيا)، ونيويورك، وبوينس أيرس (الأرجنتين)، وطهران (إيران) وباريس (فرنسا) وبرن (سويسرا)، مروراً بعضوية وفود الى ليبيا وأفريقيا والأمم المتحدة، وبينها محطة الأمانة العامة لوزارة الخارجية تولاّها (1983) في أصعب مرحلة من حقباتها خلال القطيعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فـ”اخترع” دُرْجة المراسيم الجوالة، وتولى سفارة لبنان في باريس فترةَ كان لبنان (1989) مشدوداً بين حكومتين، واكتسب من تلك الجولات والعواصم والمدن خبرة اغترابية طويلة، إحدى ثمارها اشتغالُه على تمتين الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم، ورعايته إياها أركاناً وفروعاً وأنشطة، وكل ذلك في صمت عميق لا يعادله إلا عمل دؤوب ذو نتائج يتشرّف بها السلك الدبلوماسي ويكبر بها لبنان.
فؤاد الترك لا يختصر مسيرتَه مقال محدود، ولا يفيه كلام مهما أنصف. ولعل أفضلَ عدل إزاءه إيرادُ بعض مبادئ أطلقها خلال مسيرته المهنية والوطنية فانطلقَت منه وبعده وعنه شعارات تحتذى مثقلة بالنضج والحكمة وعمق المدلول. ومنها:
– أنا عامل عند رب عمل واحد هو لبنان.
– إذا اصطدمَت الدبلوماسية بالحقيقة، فلتكن التضحية بالدبلوماسية في سبيل الحقيقة.
– الفرق بين الذكي والعبقري: الذكي يوصل نفسه الى غايتها الدنيا، والعبقري يوصل وطنه الى غاياته العليا.
– الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة: رجل السياسة يعتبر الدولة ملْكاً له، ورجل الدولة يعتبر أنه هو ملْك الدولة، رجل السياسة يعمل للانتخابات المقبلة ورجل الدولة يعمل للأجيال المقبلة.
– خلاص لبنان في انتقاله من دولة المذاهب الى دولة المواهب، ومن حقوق الطائفة الى حقوق الإنسان.
– يُنقذ لبنان أن يتولى المسؤولية فيه مَن هم الأعرفون والأشرفون والأجرأون.
– إن بلداً تصبح فيه الآدمية فضيلة استثنائية، وعبارة “لبناني صميم” صفة تحتذى، هو بلد مريض ذو إعاقة دائمة.
– حين تتأمّن للمواطن اللبناني حريته وحقوقه الأساسية (التعليم، الرعاية الصحية، السكن، فُرَص العمل، ضمان الشيخوخة) تكون وصلت الى جميع الطوائف حقوقها.
– لا يعوّض للبنان عن ضآلة الجغرافيا ومحدودية الديمغرافيا إلاّ الجودة والإبداع والإنجازات الكبرى والإسهام الحضاري.
– السياسة ليست “فن الممكن” بل “فن المستحيل” يأتيها من يحكم بضمير المستغني وإلاّ تكون لديه جرأة الاستقالة.
– من أمهات مشاكلنا في لبنان أنَّ بين أبنائه تتقدّم على الولاء له ستة ولاءات: الشخص، العائلة، الطائفة، الحزب، الجيب، الخارج. وحين يتقدّم الولاء للبنان على جميع هذه الولاءات، نكون خطَونا نحو التطور الحضاري.
– خلال الحرب كنت أقول بألم: “أسوأ ما في الحرب أن نعتاد عليها”، وبعد الحرب بتُّ أقول بألم أكبر: “أسوأ ما في الحرب ألاّ نتعلّم منها”.
هذا بعض فؤاد الترك الخبير الضليع في الشأنين الوطني والاغترابي معاً. هذا هو فؤاد الترك الذي حال الفساد المجرم مرتين دون دخوله السدّة التشريعية، ومرات عديدة دون دخوله سراي الحكم. ويا تعسَ وطنٍ لا يعرف كيف يستفيد من رجالات الدولة فيه، ويستعيض عنهم برجال السياسة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*