478: داخل المعبد؟ ألله. خارج؟ لبنان.

السبت 23 كانون الأول 2006
– 478 –
غالباً ما نكرّر في أحاديثنا وكتاباتنا تَفَاخُرَنا بأنّنا بلد متعدّد الطّوائف والمذاهب والأديان، و”نتفرّد بها” بين بلدان المنطقة، ونباهي بتسمية البابا يوحنا بولس الثاني لبنان “وطناً رسالة” لأن فيه عائلة لبنانية “واحدة” ذات “تعدديّة” دينيّة ومذهبيّة وطائفيّة.
خلال رحلتي الأخيرة إلى الولايات المتحدة (الأسبوع الماضي) تعمّدتُ أن أسأل أحد العارفين في الطوائف والمذاهب والأديان المنتشرة هناك، فاكتشفت أن في الولايات المتحدة (هذه الواسعة الشاسعة القاريّة المساحات والحدود) أدياناً ومذاهب وطوائف أضعاف الأضعاف من التسع عشرة التي نتبجّح أنّها عندنا “تتعايش” تحت سماء لبنانية واحدة. ففي تلك الولايات المتحدة “الشاسعة الواسعة” مئات الكنائس والمساجد والهياكل والمعابد (من كل مشرب ومذهب وطائفة) يزاول أبناؤها المؤمنون شعائرهم “داخلها” بكل ولاء ديني، لكنهم “خارجها” يزاولون ولاء واحداً: للدولة الأميركية. وبذلك يمارس الأميركيون أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم “داخل” أماكن العبادة ولكنهم لا يزاولون “خارجها” إلاّ علَماً واحداً ودولةً واحدةً ليس فيها (صدّقوا أو لا تصدّقوا) إلا حزبان!!! وما نقوله عن الولايات المتحدة نقوله عن كندا وعن أوروبا وعن معظم الدول غير المتخلّفة في العالم. فهل هذا هو واقعنا هنا في “قارّة” الـ10452كلم مربّع والـ 19 طائفة؟
من أوجع ما تعرضه الشاشة الصغيرة هذه الأيام: فيلمٌ توجيهيٌّ قصير عن انتماء المواطن (في كلّ بلد من العالم) إلى بلده، وعن انتماء المواطن في لبنان إلى طائفته. فهل حقاً نحن عائلة لبنانية واحدة في بيت واحد تدين بالولاء إلى لبنان اللبناني الواحد؟ أم اننا عائلة مشلّعة في بيتٍ من غرف عدة، وكل غرفة من طائفة يدين أبناؤها لها قبل العائلة اللبنانية؟
هذه “الكوتا” الطائفية في لبنان هي المقتل الحقيقي لتطوّر لبنان صوب العالم الأوّل. كوتا في الوظيفة. كوتا في المناصب الرسمية. كوتا في كلّ مباراة دخول. وعلى هذه “الكوتات” يقوم لبنان المذاهب الكثيرة لا لبنان المواهب الجديرة.
وأخطر الأخطر ما نسمعه هذا الأسبوع من أن الجرثومة السياسية والطائفية لم تقتصر فقط على تسميم أبنائنا طلاّب الجامعات بل انتشر التسمّم (كما ذكرت الأنباء) على المدارس الثانوية التي نعوِّل كثيراً عليها كي نبني جيلاً لبنانياً صحيحاً من الآفات السياسية، سليماً من التجاذبات الحزبية، معافى من السرطانات التقسيمية، فإذا بتلامذة المدارس هم أيضاً يصابون بهذا الطاعون القاتل الذي يشلِّعهم ولاءات وانتماءات (لا علاقة لها بجوهر الدين الأقدس) ومذاهب وطوائف وقبائل ومزارع وعشائر وانقسامات و”ساحات” وانتماءات سياسية وطائفية وحزبية وشخصانية، وإذا بهم يدخلون صفاً مدرسياً واحداً لكنهم “خارجه” ينتمون إلى أشخاص وزعماء وأسياد لا إلى وطن واحد ودولة واحدة ولبنان واحد.
وما دام سياسيونا شخصانيين إلى هذه الدرجة، أنانيين إلى هذا الحد، مصلحجيين إلى هذا المستوى، فرديين بمواقفهم وبياناتهم وقراراتهم وخُطَبهم ونكاياتهم وعنادهم وكيديّاتهم وصعودهم إلى التصعيد على أكتاف أولادنا وأهالينا واقتصادنا ومستقبلنا وصدمة أولادنا الهاربين إلى الخارج، وما داموا ينادون “لفظياً” بمصلحة لبنان، و”ميدانياً” بمصلحتهم هم، و”عملياً” بمستقبلهم الانتخابي ومقاعدهم الرئاسية والوزارية والنيابية، وما دامت المعادلة في رؤوسهم أن الطائفة قبل الوطن، والدين قبل الدولة، فعبثاً ينظر العالم إلينا على أننا وطن جدير بثقة العالم، ورعاية الدول، وعضوية عائلة الأوطان، وبرامج المؤتمرات الدولية.
لن نستعيد لبنان إلا متى الـ19 طائفة تدخل إلى أماكن عبادتها لتدين بالولاء إلى الإله الواحد الرحمن الرحيم، حتى إذا خرجت من أماكن العبادة لا تدين جميعُها بالولاء إلاّ إلى وطن واحد: لبنان اللبناني.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*