472: هللويا: يتصافحون ويتباسمون

السبت 11 تشرين الثاني 2006
-472-
الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه، الحمد لله العليّ العظيم، الرحمن الرحيم، الحمد لله سبعين مرة سبع مرات، على أنهم، بعونه تعالى وبحمده تعالى وبفضله تعالى: التقوا، وأكثر: اجتمعوا، وأكثر أكثر: تصافحوا، وأكثر بعد: تباسموا (في القاموس: ابتسم بعضهم لبعضهم الآخر)، والأكثر الأكثر: تغدّوا وجلسوا إلى مائدة طعامٍ واحدة.
كل هذا والصحافيون والمصوّرون يلاحقونهم خطوة خطوة، بسمة بسمة، مدة يد إلى مصافحة، نظرة نظرة، كلمة كلمة، التفاتة التفاتة، نبرة نبرة، لهجة لهجة، حتى كأن نبض قلب وطن كامل متوقّف على نظرة أو ابتسامة أو… مصافحة.
والواقع المؤسف أن الأمر هو هكذا: معظم المواطنين في مكاتب وظائفهم وفي بيوتهم وفي جلساتهم المنْزلية والمطاعمية والإخوانية لا حديث لهم إلاّ “شو صار بساحة النجمة”، في حماسة من هنا وحماسة مقابلة من هناك، وفي الحالتين حبس أنفاس.
حبس أنفاس؟ هل هو حبس أنفاس أم حبس وطن وحبس مستقبل وحبس آمال تودي بشبابنا إلى اليأْس فالهجرة؟
وهل هو “ثلث معطِّل” لتعطيل قرار حكومي أم هو تعطيل وطن كامل عن التقدم والأمان والنمو الاقتصادي؟
وهل هو إدخال وزير أو استبدال وزير أو توزير محسوبين جدد أم تسجيل نقاط فَريقِيَّة كأننا في “ماتش فوتبول” مجاني؟
وهل هي معارضة لتصويب المسار أم معارضة للتصويب على مسيرة وطن لم يعد يحتمل البحث في التخطيء والتصويب؟
وهل هو نفاد مواقف محلية أم هو هدر وقت ضائع لنفاد صبر المجتمع الدولي حتى ينفض يده من مساعدة لبنان المتخبّط؟
“شو عمبيصير في ساحة النجمة”؟ يسأل المواطن العادي الذي ليس محسوباً على الأكثرية ولا على الأقلية، بل على الردح الأكبر من مواطنين عاديين لم يعُد يهمهم “شو عمبيصير في ساحة النجمة” من مواقف شخصية وشخصانية وفردية وفردانيّة، لأن همَّهم الأكبر هو رغيف الخبز الذي يتصاعب الحصول عليه، وضمان مستقبل لأولادهم المهددين بالفراغ والبطالة.
المواطنون العاديون (وهُم هُمُ الأكثرية الحقيقية التي ترفض “الاصطفاف” و”النزول إلى الشارع” ورفع الشعارات واليافطات والتهييص لـ”بيت بو سياسة”) لم يعد يهمهم أيّ وزير يخرج من الحكومة، ولا أيّ وزير يدخل مكانه، ولا أية طائفة أو فئة أو جهة تربح مقعداً إضافياً، بل يهمهم – أوّل ما يهمهم – وجودُ كهرباء يدفعون عليها فاتورة واحدة لا اثنتين، ووجودُ مياه يدفعون عليها فاتورة واحدة لا اثنتين، وتزفيتُ طرقات يسيرون عليها بسياراتهم من دون أن تتكسر سياراتهم لأنها باتت تسير في جلالي بطاطا ووعر أَدغالِيّ ترفض حتى تراكتورات الفلاحة أن تسلكها. والمواطنون العاديون يريدون ضماناً صحياً يَأْمنون به من الموت اليومي، وضماناً اجتماعياً لا يفاجأون بأن صندوقه مسروق لأن الرقابة عليه مفقودة، وضماناً لزراعاتهم حين هم مزارعون، وضماناً صناعياً حين هم صناعيون، وضماناً سياحياً حين هم في القطاع السياحي والفندقي.
هذا ما يريدُه المواطنون العاديون غيرُ المحسوبين على أحد، العاديون الذين ليسوا حبوباً في مسبحة أحد من السياسيين ولا حطباً في موقدة أحد من السياسيين، العاديون الذين ينشحنون يوماً بعد يوم بالغضب المتزايد على كل واحد من سياسيين يَشحنون أزلامهم ومَحاسيبهم بالنُّزول إلى الشارع، ويتناطحون في أيّ “توك شو” سياسيّ يتاح لهم في إذاعة أو تلفزيون.
“شو صار” أو “شو عمبيصير” أو “شو بدو يصير” بساحة النجمة؟ فلننظر من الخارج إلى الخطر الذي يزداد في الداخل، فالنظر إلى ما يجري عندنا من منظار أولادنا الذين يراقبوننا من الخارج، يعطي فكرة أوضح عن ابتسامة قرف أو سخرية أو لعنة من خبر يصدر عن تبادل ابتسامات أو مصافحات أو تناول غداء يَنجُمُ عنه لقاءُ تشاور أو لقاءُ حوار، أو موقف من 8 آذار أو 14 آذار أو “انتظار غودو” اليائس المستحيل في 30 شباط.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*