السبت 9 أيلول 2006
-463-
تستعدُّون اليوم للدخول إلى عام جامعي جديد، بعدما أعلنت جامعاتكم عن مواعيد استئناف صفوفها، تسجيلاً أو امتحاناتٍ صيفيةً أو بدء دروس. وتدخلون بوابات جامعاتكم حاملين معكم أصداء ومشاهد وتردُّدات من 33 يوماً زلزلَت لبنان بشراً وحجراً واستقطبَت إليه اهتمام العالم كما ولا مرة من قبل.
نفهم أن تعودوا إلى صفوفكم بهواجس تحدثتم بها أو سمعتموها من أهاليكم ومنتدياتكم وتجمعاتكم وأترابكم، وتابعتموها من شاشات تلفزيونية ومحطات إذاعية جلَدَت الناس بوجبات “توك شُو” يومية لازمت أكلَ الناس ونومَهم واجتاحت أوقاتهم النهارية والليلية بـ”تنظيرات” سياسيين ومُحللين لم يعودوا، في معظمهم، يُقنعون أحداً بـ”قراءتهم” الأحداث وخلفياتها.
في هذه الأجواء تعودون، ويعود قلبُنا معكم، ونعود نخاف عليكم، وتعود هواجسُنا تكبر من أن تكونوا بعد 12 تموز كما كنتم قبل 12 تموز. يعني أن تعودوا لا إلى دروسكم بل إلى اصطفافاتكم السياسية والحزبية والفئوية والطائفية والمذهبية، فتنسفون أو تقصفون أو تقوّضون الجسر الوحيد الباقي بلا قصف: مستقبلكم وهو الأهمّ من كل أحد ومن كل شيء.
إن مستقبلكم هو في صفّكم وكتابكم ومُختبركم ومحاضرات أساتذتكم وفروضكم الكتابية والتقميشية ودراساتكم البحثية والأطروحية، وهي هذه وحدها بطاقة دخولكم إلى المجتمع والحياة والمستقبل المهني أو الوظيفي أو العملاني أو الميداني.
نفهم ألاّ تكونوا حياديي الشعور أو الميول أو الالتزامات السياسية والحزبية، ونفهم أن تتحمسوا لهذا أو تؤيدوا ذاك أو تناصروا ذلك من السياسيين والزعماء والقادة، وهذا طبيعي، إنما على أن يكون كل هذا لخدمة بِناء الوطن لا بناء أشخاص وقادة وسياسيين وزعماء طوائف أو أحزاب أو عشائر أو قبائل أو مزارع إذا تحالفوا هم تحالفتم أنتم في جامعاتكم، وإذا تباعدوا هم تباعدتُم أنتم في ما بينكم على المقعد الواحد في صفوفكم، لأنكم أعداد يتباهى بتجميعها وجُموعها وتجمُّعاتها السياسيون.
كونوا شموعاً تنير الدولة، ولا تكونوا حطباً في مواقد رجال السياسة. كونوا الأصابع المرصود عليها نحتُ لبنان الغد، ولا تكونوا حبوباً في سبحات رجال السياسة. كونوا أفراداً وكل فرد منكم جماعة عزم وإقدام وشجاعة، ولا تكونوا أغناماً في قطيع رجال السياسة. كونوا الضوء البكر في فجر الوطن، ولا تكونوا الظل المجرور إلى حسابات السياسيين. كونوا الصوت الذي هو أنتم، ولا تكونوا الصدى الذي يردد أصوات رجال السياسة. كونوا القرار الذي يَطلع من بكارة لبنان النقي، ولا تكونوا التنفيذ الذي يستثمره رجال السياسة كي يصِلوا على أكتافكم وأعدادكم وتجمعاتكم وآلافكم وحناجركم ويافطاتكم لشعاراتهم الببغاوية الفئوية الانتخابية الشخصانية الاستفزازية الوصولية، ويتباهوا بأنهم “يُنْزِلون” آلافاً منكم إلى الشارع.
هم في حاجة إليكم كي يصلوا، ولستم أنتم في حاجة إليهم كي تصلوا. والدليل: أترابكم الذين تخرّجوا وهاجروا (أو هاجروا قبل أن يتخرجوا ثم تخرجوا في الخارج) ووصلوا إلى مراتب عليا في حيثما حلّوا ونجحوا وأبدعوا وحققوا الإنجازات والاختراعات والاكتشافات والمؤلفات بدون منّة أحد من سياسيي الدول التي هم فيها. فلماذا لا تكونون أنتم في دولتكم مثلهم فتبلغون طموحاتكم بشهاداتكم الجامعية لا بوساطات “بيت بو سياسة” الذين جعلتُم من حناجركم البريئة أبواقهم غير البريئة؟
منكم سيخرج ذات يوم نواب ووزراء ورؤساء ومسؤولون يتولّون لبنان، فكونوا منذ اليوم قادة يتهيّأون، ولا تكونوا أدوات في “ريموت كونترول” رجال سياسة يوصلونكم إلى حيث هم يريدون لا إلى حيث أنتم تريدون الوصول.
يا أحبابنا طلاب لبنان: أنتم الطاقات التي نرصد عليها مستقبل لبنان، فحافظوا على نقاوة هذه الطاقة اللبنانية الخلاّقة، ولا تجعلوها تتلوّث بالسياسة والسياسيين، فإننا نريدكم رجال دولة لا رجال سياسة، يعني خرّيجي كتب وعلْم، لا خريجي اصطفافات سياسية تجعلكم صفوفاً قطعانية في مزارع السياسيين.