السبت 19 آب 2006
-460-
بعد استتباب (؟!) وقْف إطلاق النار، جاء الوقتُ الآخرُ الأطول والأهم: وقْفُ إطلاق الخوف. إطلاقُه من مركز القرار اللبناني إلى جميع اللبنانيين على أرض لبنان وتحت كل سماء.
بعد هذا الإنجاز اللبناني (ولو ثمنه كبير لكنّ لكلّ إنجازٍ كبير ثمناً كبيراً) فلنبدأْ جميعاً بالعمل على وقْف إطلاق الخوف.
من أين نبدأ؟ من المطلع اللا إلاّه عند كل بداية: الثقة. ومن الثقة إلى الإيمان. ومن الإيمان إلى الانتماء.
الانتماء إلى هذا اللبنان الذي بقينا نُعيره للآخرين، ونتخلّى عنه، ونعير أفكارنا واهتماماتنا وإيديولوجياتنا وحماساتنا للآخرين قبل لبنان، حتى كاد يزحل من تحت أقدامنا ونفقد أرضنا ووطننا ونصبح لاجئين شحاذين على أبواب الآخرين.
الانتماء إلى لبنان اللبناني القرار والموقف والدولة، إلى لبنان الوطن لا لبنان الأشخاص، وخصوصاً لا إلى لبنان هذا الطقم السياسي الفرّيسي الذي، منذ نصف قرن، وهو يساوم ويراوغ ويساير ويسدِّد فواتير للآخرين على حساب شعب لبنان اللبناني.
الانتماء إلى لبنان الذي هجم عليه أحفاد يهوَه بآلاتهم العسكرية الغولياتية ليدمروا بشره قبل حجره، فتماسك أبناؤُه كما لا من قبل، واتحدوا كما لا من قبل، وأثبتوا أنهم لا في “تعايش وعيش مشترك” بل في عيش واحد لشعب واحد في وطن واحد.
الانتماء إلى لبنان الذي أدمعت عيوننا فرحاً ونحن نرى جيشه الرائع الحبيب يذهب إلى جنوبنا الغالي الحبيب مسيّجاً بقرار سياسي ظل ممنوعاً عليه طوال دهر كان خلاله اليوضاسيون من “بيت بو سياسة” يَحُولُون دون ذهابه تسديداً لفواتيرهم الأجيرة ويتشدّقون بأصوات أسيادهم أن “جيش لبنان أعجز من أن يدافع عن لبنان”، ويُوغلون في تَحقير صورة جيشنا الرائع الحبيب.
الانتماء إلى لبنان الذي ما إن توقفت آلة الحرب المجرمة عن الانتقام من شعبه وتاريخه وعبقريته حتى هرع أبناؤُه النازحون عائدين إلى أرضهم الحبيبة وبيوتهم الحبيبة لا نادمين ولا خائفين ولا غاضبين بل فرحين بخسارة حجارةٍ أكسبتهم وطناً.
الانتماء إلى لبنان الذي دمّر العدو الإسرائيلي جسورَه فبنى أبناؤه جسوراً من زنود المقاومين أقوى من جسور الحجر.
الانتماء إلى لبنان الذي صار فيه (أخيراً!!!) رئيس حكومة يرفع إصبعه ويقول “لا” لبنانية، ويقول “نعم” لبنانية، ويلتفّ حول قراره اللبناني مُخْلصون من الحكم ومن الشعب، يتابعون خطابه إلى اللبنانيين وعيونهم تدمع من غبطة وفرح واعتزاز وعنفوان وكرامة واستقلال لبنان اللبناني القرار الذي يستعمل فيه فؤاد السنيورة عبارات: “الدولة القوية”، و”… حتى يستقيم بناؤها قويةً، دولة واحدة حرة مستقلة صاحبة قرار واحد وسلطة لا ازدواجية فيها”، و”نحن اللبنانيين نريد الدولة القوية والجيش القوي والمؤسسات الديمقراطية القوية”، و”لا نقبل الدخول في محاور أو مشروعات إقليمية ولا دولية”، و”شعبنا الشجاع”، و”واجبنا جميعاً أن نصون لبنان الوطن ولبنان الدولة”، و”تقوية وتعزيز الدولة والجيش”، و”حصر السلاح بيد الدولة وحدها”، و”أتصرَّف باعتباري رئيس وزراء لبنان، والموقع لا يتَّسع إلاَّ للدولة التي لا يستعاض عنها بالدويلات”، و”لنكن جميعاً مع الوطن لكي يبقى لبنان. وسيبقى لبنان”.
هكذا يكون شرفُ الانتماء إلى لبنان الذي جاء إليه الكاردينال روجيه أتشيغاراي مرتين: أُولى موفداً من البابا يوحنا بولس الثاني الذي وسم لبنان “رسالة” لا “مُجرد وطن”، واليوم موفداً من البابا بندكتوس 16 ليقول: “يا لبنان، إنكَ لن تموت”.
وهكذا ينقذُ لبنانَ انتماؤُنا إليه وطناً ودولةً وجيشاً وشعباً جبَّاراً (مقاوماً وصامداً) أصبح رمزاً لشعوب المنطقة والعالم، فلم يعُد لبنان “طائر الفينيق” بل صار الفينيق “طائر لبنان” الذي بات كل لبناني في لبنان وتحت كل سماء في العالم يزهو بأن يقول: “لي الشرف أن أكون ابن لبنان”.
بعد هذه الحرب، فَـلْـ”يَتَلَبْنَنَ” العرب والعالم.