الثلثاء 6 كانون الأول 2005
-433-
بعد جدل طويل من سنوات طويلة حول لبنانية مزارع شبعا، وبعد رفض القول الشفوي من أيِّ مرجع عن لبنانيتها إن لم يكن القول مدعوماً بإثباتات وأَسانيد ووقائع سيذهب بها لبنان الى الأُمم المتحدة كي تعمد هذه الى تثبيت مزارع شبعا لبنانية بدون جدال، يدور البحث اليوم عن تحضير الإثباتات العقارية والرسمية ذات الصلة، كي تنتهي هذه المسألة وينتهي الجدل.
وعلى أهمية ما لهذا الاثبات من انعكاس عظيم على إنهاء الخلاف العسكري والسياسي الذي فرض تحرير أرض لبنان حتى آخر شبر من مزارع شبعا، وهو ما تترصَّده مقاومتنا اللبنانية في الجنوب، تنتهي مسألة مزارع شبعا فلا يهتم بها العالم أكثر من أخذ العلْم وتهنئة لبنان باستعادة آخر شبر من أراضيه التي لا تعني بدورها سوى اللبنانيين.
لكن نقطتنا الخلافية مع إسرائيل، بتحرير مزارع شبعا، لا تكون انتهت، لأن نقطة مزدوجةً أخرى تكون لا تزال عالقة، وهي هذه المرة لا تعني أرض لبنان واللبنانيين وحسب، بل تهمُّ كل العالم. أكرر: كل العالم.
إنها نقطة قانا وجبل حرمون. صحيح أنهما في لبنان جدّاً ولا أحد ينازعنا عليهما، لكنّ النّزاع الذي سنقاوم كي ننهيه مع إسرائيل هو ادعاء إسرائيل أن الأعجوبة الأُولى للسيد المسيح (تحويل الماء الى نبيذ في عرس قانا الجليل، كما ورد في إنجيل يوحنا 1: 2-11) حصلت في كفركنّا الفلسطينية اليوم لا في قانا جنوب لبنان، وأن تَجلِّي المسيح لتلامذته (كما ورد في إنْجيل متى 1:17) حصل في جبل ثابور في فلسطين اليوم لا في جبل حرمون اللبناني.
كيف هاتان النقطتان تهمَّان العالم؟ بكونهما نقطتي جذب رئيستين لسياحة دينية تستقطب إلى واحاتها ملايين السياح من العالم كل عام، مع ما لهذا الاستقطاب من مورد سياحي هائل تبني عليه خزينة الدولة في بلدان السياحة الدينية أَساساً متيناً.
وفيما آخر ما صدر حول هذا الموضوع: تصريح عالِم الآثار الإسرائيلي شيمون غيبسون (“النهار” 22/11/2004 عن “أسوشياتد برس”) أن الأجران المكتشفة في كفركنّا ليست دليلاً كافياً لإثبات أنها موقع حصول الأُعجوبة الأُولى، وفيما كتابات الضليعين (سعيد عقل، يوسف الحوراني، مي مر، أنطوان الخوري حرب، …) جاءت بإثباتات دامغة أن الأُعجوبة الأُولى تَمَّت في قانا الجليل، قانانا نحن، قانا جنوب لبنان، وفيما جاء مؤخراً كتاب المستشرق الإيطالي العالِم الثقة مارتينيانو رونكاليا (في كتابه “على خطى المسيح في فينيقيا لبنان”) يُثبت بالحجج العلمية والأدلَّة الحسية والوقائع التاريخية والأسانيد الموثقة أن قانا التي حصلت فيها الأُعجوبة هي قانا لبنان وأنه مشى المسافة سيراً على قدميه من الناصرة الى قانا في يوم ونصف اليوم بينما كفركنا الفلسطينية لا تبعد عن الناصرة سوى 24 كلم لا يستغرق اجتيازُها أكثر من حفنة ساعات ضئيلة (هذا عدا شهادة مؤرخ الكنيسة الأول أوزابيوس مطران قيصرية فيليبس سنة 300، وتأكيد مترجمه الى اللاتينية القديس جيروم الذي مشى المسافة من صور الى قانا فإذا هي 8 أميال كما ورد في كتابات أوزابيوس)، وبينما يُثبت رونكاليا أنّ ثابور تلة صغيرة كانت محصنة ومحرمة الدخول أيام الرومان وأنّ التجلي حصل على قمة حرمون، لا يزال المسؤولون عندنا (دينيوهم والدنيويون) مشيحين عن هذا الكنْز السياحي الديني الذي إذا تبنَّوه مقاومةً وتفعيلاً واستثماراً يستقطب لبنان ملايين السياح من العالم الى واحتين فريدتين في العالم تجعلان لبنان محجة سياحية تجني منها خزينة الدولة، على اسم السياحة الدينية، مردوداً قد يكون الأعلى في مداخيلها.
بلى: قانا وحرمون واحتان جديرتان بالمقاومة، والأقلام الجاهزة لهما غير ضئيلة.