419: متى ذاكرة لبنان لطلاّب لبنان؟

السبت 6 آب 2005
-419-
في المؤتمر الصحافي الذي عقدَته “اللجنة الوطنية اللبنانية لذاكرة العالم” (المنشأة في كنف اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو) لمناسبة “إدراج لبنان للمرة الأُولى على سجلّ اليونسكو الدولي لذاكرة العالم” في دراستين (“تطوُّر الأبجدية الفينيقية” و”لوحات نهر الكلب الأثرية”) للباحث اللبناني الدكتور ابرهيم كوكباني،كان لافتاً قول الأمينة العامة للّجنة السيّدة سلوى السنيورة بعاصيري إن “لبنان ذا المواقع الستة المُدرَجة على لائحة التراث العالمي (أربعة تراثية أثرية: بعلبك، جبيل، عنجر، صُور، وموقعان طبيعيان: وادي قاديشا وأرز الرب) يدخل للمرة الأُولى ذاكرة العالم بتراث رقمي (وثائقي) ويُثبت أيضاً وأيضاً أنه يَشغل حيّزاً مهمّاً من الذاكرة الكونية الإنسانية”.
وفي سياق الشرح عن الدراسة الأُولى كان لافتاً قول الدكتور ابرهيم كوكباني “لو لم يخترع اللبناني الأبجدية لكان العالم يتخبّط اليوم في بحر من الصوَر والرسوم الكتابية الهيروغليفية والمسمارية وسواها. لكنّ ابتكاره في جبيل حرفاً أبجدياً جديداً بشكله وقيمته الصوتية جعل الكتابة سهلة المنال وأصبح العلْم في متناول الجميع”. ويشير كوكباني إلى أن “الأبجدية الفينيقية أبهى إنجاز أهداه الفينيقيون للعالم، وهي ظلت تنتشر حتى تلقّفها العالم كله، وكانت الصين آخر من اعتمدتها سنة 1958”. وعدّد كوكباني من دراسته الأُخرى أهمية منقوشات نهر الكلب في التاريخ.
هذا المجد العالمي الجديد للبنان لا يجوز أن يبقى مقتصراً على الإعلام عنه في مؤتمر صحافي، ولا في تغطية أفقية صحافية وإذاعية وتلفزيونية، ثم ينطوي مع انقضاء الحدث في مكاتب اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو.
هذا حدثٌ للبنان غير عادي، يشير مرة أخرى إلى أن لبنان حقاً وطن غير عادي، هو الذي أعطى العالم ثلثي الحضارة، و”أهدى” العالم إنجازات حضارية وثقافية وإبداعية ها هو العالم يقرّ لنا بها ونحن ساهون عنها بالتلهّي في أمور يومية معيشية ضيّقة وفي اصطفافات سياسية وحزبية وعقائدية وفئوية ووزارية ونيابية،جميعها آنيّة لن يذكرها التاريخ ولا العالم بسطر ولا حتى بكلمة.
إطلالتُنا الجديدة على العالم بهاتين الدراستين الأكاديميَّتين الموثَّقتين اعترف لنا بهما خبراء عالميون كبار وأدخلونا بفضلهما إلى ذاكرة العالم، هي الإطلالة التي يجب أن تتعمَّم على تلامذة لبنان الثانويين (باختصار مفيد) وعلى طلاب لبنان الجامعيين (بنصهما الحرفي ووثائقهما المرفَقَة) كي يعي الجيل الجديد من أبنائنا أهمية لبنان الفكر والتاريخ والحضارة، فيكفّوا عن الهياج والهيصات والهَوبرات المتخلّفة في الشوارع انتصاراً لهذا أو ذاك أو ذلك من سياسيين لم (ولن) يقدّموا للبنان الفكر والتاريخ سطراً.
الصرخة الصرخة نطلقُها بين الإلحاح (لحلول الأوان) والاستغاثة (قبل فوات الأوان) كي ننقذ جيلنا الجديد من استغلال طاقاته البَكارى في اصطفافات سياسية “هَوبَراتية” تافهة، فننتقل بشبابنا وصبايانا الى وعيهم لبنان الحقيقي، لبنان الرسالة الحضارية، لبنان الذي يعترف له العالم بريادته الحضارية ولا يرى هذا العالم من مَشَاهده الحالية إلا صوَراً ويافطاتٍ وهَوبَرات في الشوارع.
وزارة التربية فلتتلقّف دراستَي ابرهيم كوكباني من اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو ولتوزّعهُما على مدارس لبنان، ووزارة السياحة فلتعمّمْهما على منشوراتها باللغات الثلاث، ووزارة الثقافة فلتحتضن هذا السياق العظيم كي نعيد بناء جيل لبناني جديد هو الذي، إذا وعى عظمة وطنه، يدحرج وحده أصنام الهيكل ويواصل الخط الحضاري لوطن يشهد له التاريخ، وبدأ يدخل باعتزاز رائع الى ذاكرة العالم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*