الاثنين 1 آب 2005
-418-
أبعد مما ورد في البيان الوزاري (البند العاشر) حول الثقافة، نسجّل بارتياح (يوتوبي حالياً) كون الحكومة الجديدة تنبّهت (عكس سابقاتها) الى الشأن الثقافي ودوره الحيوي الرائد في لبنان. وما ورد في ذاك البند العاشر يشير الى وعي الحكومة (أخيراً!!!) على “نهضة الثقافة” ورئاسيّة وزارتها في التهيئة لنهضة الوطن. بهذا تتخذ وزارة الثقافة صفة “وزارة سيادية رئيسية مهمة”.
وكنا سمعنا مثل هذا الكلام من وزير الثقافة الجديد الدكتور طارق متري نهار تسلُّمه مهام الوزارة مركّزاً على أهمية هذه الوزارة (وكانت الى اليوم هامشية ثانوية حتى في اعتبارات أصحاب الشأن في الحكم) وعلى طموحاته لتفعيلها ميدانياً.
لا أعرف الدكتور طارق متري، لكنني لا أعرف أحداً في محيطي إلاّ أشاد بصفاتٍ لديه أبرزها الجدية والرصانة والتفكير العلمي ووساعة الثقافة. وإننا (وإن يكن الدكتور طارق متري من غير أهل الإنتاج الثقافي الإبداعي في لبنان، كما كنا نطلب ونتمنى) نتوسّم كل الخير بأن يوظف مواهبه العلمية والمهنية والميدانية في تفعيل عمل ثقافي لا بد للوزير كي يتفعّل. فلا نظن الدكتور طارق متري يجهل أنّ وراء إنشاء الأكاديمية الفرنسية وزيراً هو الكاردينال ريشليو (واليوم لا يمكن ذكر الأكاديمية الفرنسية من دون ذكْر ريشليو)، وأنّ وراء إنشاء “المتحف الافتراضي” وزيراً آخر هو أندريه مالرو (واليوم لا يمكن ذكْر “المتحف الافتراضي” الجوّال من دون ذكْر أندريه مالرو)، وتالياً يمكن طارق متري أن يؤسس لمشاريع ثقافية كثيرة تخلّد اسمه طويلاً بعده لأن العمل الثقافي يتأسس مرة ويظل مذكوراً اسمُ مؤسسه كل مرة، عكس وزارات أخرى يأتي الوزير إليها ويمضي فيمضي سريعاً الى النسيان لأن مهماته كانت توقيع معاملات وقرارات إدارية لا تبقيه في الذاكرة ولا في تاريخ التراث اللبناني.
مع كل بيان وزاري (منذ ثلاثين سنة) ونحن نطالب بالإشارة (على الأقل بالإشارة) الى الثقافة في البيان الوزاري (فنحن نعرف أن الحكومة، كل حكومة، لن تشيل الزير الثقافي من البير) وكل مرة يطالعنا صدى صوتنا يقول: “مش وقتها هلّق”. ولم نفهم يوماً متى “وقتها هلّق”؟ في جميع البلدان مشاكل وهموم وحروب، ومع ذلك تستمر الحياة الثقافية في البلد وترعاها الدولة بكل اهتمام لأن جميع المشاكل والهموم والحروب عابرة، والثقافة ثابتة تستمر من جيل الى جيل وتثقِّف الشعب وترفع مستواه من جيل الى جيل وتالياً يظل دائماً “وقتها هلّق” في البلدان الحضارية الواعيةِ دورَ الثقافة في نهضة الشعب ومستقبل الوطن.
وبقراءتنا في البيان الوزاري الجديد “الثقافة في لبنان أساس وجوده وهويته”، و”عودة بيروت عاصمة للكتاب والفنون وسائر صنوف الإبداع” و”على الحكومة تأكيد أهمية الإبداع ودعم المبدعين” و”الحكومة لا تعتبر الثقافة في لبنان ترفاً أو مادة استهلاكية بل إنتاجاً وطنياً أساسياً وستسعى الى استقطاب الطاقات وتوظيفها في مختلف حقول النشاط الثقافي وستعمل على إصدار تشريعات لتنظيم عمل الوزارة وخصوصاً المتعلقة بالمبدعين وضمان حقوقهم”، نتوسّم (ولو يوتوبياً الآن) كل الخير في نقل وزارة الثقافة، من وزارة “شحَّاذين” عبءٍ على الدولة، الى وزارة منارة تعكس اهتمام الدولة بالإبداع الذي يرفع شأن الدولة.
ولكن، حتى يستطيع طارق متري أن يتحرَّك فيجعل وزارة الثقافة ريادية سيادية، نتمنى على المثقفين التعاون معه لتطوير الوزارة (لا الطرْق على بابه للنق واستجداء الدعم) ونتمنى على الدولة أن “تسخو” على وزارة الثقافة بموازنة أرفع قليلاً من موازنتها الحالية(1،19%) فيتمكن طارق متري من تحقيق (!؟) ما له يخطط وما إليه نصبو (؟!) للثقافة مع كل حكومة جديدة.