الاثنين 11 تَموز 2005
-415-
فيما يتنافس أقطاب “بيت بو سياسة” على “الوزارات السياديّة” (الخارجية، الداخلية، الدفاع، المال) ويتجاذبونها طائفياً وسياسياً ويعرقلون جهود الرئيس فؤاد السنيورة لإنجاز تشكيلته الحكومية الجديدة، يتساءل المواطنون بكل براءة: أصحيح أن تلك فعلاً “وزارات سيادية” وأخرى فعلاً “وزارات خدماتية”؟ وما المقياس لـ”السيادية” وما المعيار لـ”الخدماتية”؟
لو أنصف هؤلاء الأقطاب، وكان في همّهم فعلاً خدمة لبنان وشعب لبنان ومستقبل لبنان، لارتفعوا عن مستوى الفرديات المحلية في “السيادية” و”الخدماتية”، وفضّلوا مصلحة الوطن على مصلحة “سيادتهم” هم فوق أبناء الوطن، و”خدماتهم” هم لانتماءاتهم السياسية وأسيادهم فيها ولأزلامهم ومحاسيبهم وجماعات دوائرهم الانتخابية.
وما مصلحة الوطن؟ أن تكون الوزارة “السيادية” تلك التي تجعل لبنان سيّداً بين الأوطان لا في زواريبه الانتخابية، والوزارة “الخدماتية” تلك التي تؤدي خدمة للبنان في العالم لا في دوائر الدولة. وزارة الخارجية عملية دبلوماسية تقررها سياسة الدولة ولا دور فيها للوزير سوى التنفيذ. وزارة الداخلية عملية أمنية تقوم بها أجهزة الأمنين العام والداخلي ولا دور فيها للوزير سوى المراقبة والتوجيه. ووزارة الدفاع عملية دفاعية عسكرية تتحرك لها الفصائل العسكرية ولا دور فيها للوزير سوى نقل الأوامر من القرار السياسي الى التنفيذ العسكري. وزارة المالية عملية تقنية داخلية محدودة لا دخل لأي بلد فيها ولا دور فيها للوزير سوى ضبط الأرقام ومراقبتها بخبرته وتجربته كي لا يتدهور الوضع المالي الداخلي.
أما الوزارات التي يهملها أقطاب “بيت بو سياسة” ولا يهتمُّون لها فيما هي وزارات سيادية لخدمة لبنان المستقبل وصورة لبنان في العالم، فهي وزارة السياحة (للبنان في العالم)، ووزارة التربية (لأجيال لبنان المستقبل) ووزارة الثقافة (للبنان في العالم ومستقبل لبنان الإرث الحضاري والفكري والتراثي في لبنان وفي العالم).
وأن يتَّجه أقطاب “بيت بو سياسة” الى وزارات لا يتعدى حجمها حدود الوطن أو خدمة مصالحهم عبر أزلامهم ومحاسيبهم في زواريب الوطن ومناطق نفوذهم الانتخابي، يعني لم نصل بعد الى طاقم سياسي يريد لبنان الأفق (لا لبنان الزاروب) ولبنان القيمة الحضارية (لا لبنان الحسابات الشخصية) ولبنان الوطن الرسالة (لا لبنان التجاذبات السياسية المحلية الصغيرة).
يا دولة الرئيس السنيورة،
أُشيح عن التربية (على أهميتها في صنع أجيال المستقبل وصياغة مصير أجيال الحاضر) وعن السياحة (على أهميتها في جذْب العالم الى كنوز في لبنان فريدة نادرة ذات قيمة عالمية يجهلها معظم العالم) لألفت الى وزارة “سنيورة” فعلاً تجمع نشر صورة لبنان في العالم الى إطلاق ورشة الإبداع في لبنان فتنصع صورته في العالم، إذا توفَّر لها وزيرٌ ابنُ بَيتها وأهلها ومبدعيها يكون الأعرف بأَعلام المثقفين وإِعلام الثقافة لينتصر بهم إليها فتنتصر هي من “ثانويّتها” في نظر السياسيين الى سياديّتها الحقيقية.
إنها وزارة الثقافة يا دولة الرئيس، وما زالت تعطى حتى اليوم حصة ترضية لهذه الطائفة أو لتلك الجهة السياسية، وفي الحالتين يأتي من يمثل فيها طائفته أو التزامه السياسي لا المثقفين وخبراتهم وقدراتهم على جعل لبنان بنتاجهم وطناً غير عادي يقدمه الى اللبنانيين والعالم وزيرٌ ينصرف الى خدمة الإبداع اللبناني الذي حجمه، لا حجم “بيت بو سياسة”، كنز لبنان الحقيقي.
فهل لنا في تشكيلتك وزير ثقافة بهذه القيمة المبرورة يا دولة الرئيس السنيورة؟