السبت 20 تشرين الثاني 2004
– 382 –
بات ثابتاً أنّ الخطر من اندثار حِرَفٍ لبنانية عديدة: النقص في التسويق (عدا غياب الدعم) وتالياً الهبوط في المورد، ما يدفع بالأبناء أن يُشيحوا عن اعتناق حِرَف آبائهم ومواصلتها، وينصرفوا عنها إلى أعمال أُخرى أو إلى الهجرة.
وهو هذا ما كان (حتى اليوم) وضع حِرفة النَّول، هذا التراث الوطني الذي اشتُهرت به زوق مكايل تطريزاً وعبايات وجدرانيّات وقماش مفروشات فنية، من دودة القزّ إلى الشرنقة إلى خيط الحرير الذي منه يُبدع الحائكون.
كان في “سوق الزوق” نحو 400 نول.لم يعُد فيها سوى 20. وبعدما قام المحامي نهاد نوفل (رئيس بلدية زوق مكايل) بترميم السوق العتيق (1996) فتْحاً لفرص استقطاب السياح والزوّار إلى حِرَف زوق مكايل، وبعدما أنشَأَ “بيت الحِرَفيّ” (على الطراز التراثي) عملاً وتدريباً، لاستقطاب الجيل الجديد إلى الحِرَف اليدوية، حقّق الأسبوع الماضي خطوةً مُهِمَّةً جداً لتطوير حِرفة النَّول من تقليدية ترفيّة إلى حديثة منتِجة. فهو وعى أن بلدة أُوبوسون الفرنسية عالمية الشهرة وتُنتِج وتوزّع في تسويق واسع، فلمَ لا تكون زوق مكايل كذلك؟ لذا عمَد (تعاوُناً مع المكتب الإقليمي للأونسكو، وكانت زوق مكايل حازت جائزة الأونسكو لمدن السلام عام 1999) فجاء من بلدة أُوبوسون بالخبير وعضو المجلس البلدي فيها الفنان برنار بُتِي 15 يوماً لدورةٍ أمضاها مع حِرَفيّي زوق مكايل الذين قال عنهم في نهاية الدورة: “أدهشوني. لم أَزِد شيئاً على براعتهم وحذاقتهم العالية. كلُّ ما ينقصهم أن تنفتح أمامهم آفاق التسويق”، وذلك بعدما رأى في زوق مكايل لوحات نولية لوجوه رؤساء وملوك ومناظر ومشاهد ومنمنمات دقيقة جداً نفّذوها ببراعة ودقّة عجيبة.
وخلُصت الدورة إلى نتائج مثمرة: التعاون بين فنانين يقدّمون رسوماً لِحِرَفيّي زوق مكايل، بروتوكول بين بلدية زوق مكايل وجامعة “أَلْبا” لإدخال حِرفة الجدرانيات في المنهج الأكاديمي فيكون الدرسُ النظري في الجامعة والتطبيق الميداني لدى حرفيي زوق مكايل، تَعَهُّد بلدية زوق مكايل بشراء الخيوط المصبوغة من أوبوسون إلى حرفيي زوق مكايل إغناءً لأعمالهم، تَعَهُّد أوبوسون اقتطاع كمية كبيرة من الشغل المطلوب فيها وإرسالُها إلى زوق مكايل لينفّذه حِرفيّو النَّول فيها فتتّسع بذلك كمية الشغل لديهم وتنتعش مداخيلُهم ويتحمس الأولاد لاعتناق حرفة آبائهم إذ يجدونها رابحة ومتواصلة.
ومع دخول بلدية زوق مكايل في علاقة تعاون مع بلدية أوبوسون لتجسيد هذه الاتفاقات الثنائية، ومع ما تعهّدت به السيّدة الخبيرة الثقيفة نعمت كنعان (المديرة العامة لوزارة الشؤون الاجتماعية) أن تتعاطى الوزارة مع “بيت الحِرَفي” مركزَ تصميم وتنفيذ للمشغولات التي تتعهّدها الوزارة، يكون نهاد نوفل حقَّق أمَلاً جديداً بإزاحة كابوس البطالة ووقف التصريف وضعف التسويق وعدم الاكتفاء بانتظار رواد السوق العتيق في بعض المناسبات، بل انصراف حِرَفيّي زوق مكايل إلى ورشة عمل كبرى تعود فيها أنوال الزوق إلى العمل ليلاً نهاراً فيعود فيها هذا الفنّ الرائع إلى الازدهار وتتسع فُرَصُ العمل اللبنانية فيه لفنانين وفنيين وحِرَفيّين. ونهار تسليم الشهادات للحرفيّين، حرص نهاد نوفل على وصية مثلّثة للحِرَفيين: الصدق في التعامل، حسْن استقبال الضيوف، الاتكال على يدهم المبدعة لا مَدّ يدهم إلى مساعدة الدولة أو أي طرف آخر. ولعلّ هذا الثالوث هو مفتاح نجاح نهاد نوفل وإنْجاحه زوق مكايل.