السبت 10 تَموز 2004
-364-
لا في حقيبة سفر ولا حتى في حقيبة يد، بل في جيب سترة أو قميص، بات ممكناً حَمْلُ جمالات لبنان في شريط فيديو رقمي (DVD) سياحيٍّ ثقافيٍّ فنيٍّ لافت حقّقه فؤاد خوري بعنوان “الدليل الى لبنان”، طوله 30 دقيقة مشاهدة، فعاليته 30 ساعة قراءة، تحضيره 300 ساعة سيناريو وتصوير ومونتاج وميكساج وإخراج، ومضمونه 3000 سنة تاريخ لبنان منذ بعلبك إلى الوسط التجاري الحديث.
مغامرة مضنية خاضها فؤاد رفيق خوري، لا مدعوماً من راعٍ تجاري، ولا مسنوداً من هيئة أو جهة أو مؤسسة، بل مدفوعاً بحبّه لبنان وإصراره على إبراز وجه وطنه الأرقى والأنقى والأبقى: لبنان التاريخ (بيروت، بعلبك، صور، صيدا، جبيل،…)، ولبنان الجغرافيا (جعيتا، الشوف، البقاع، جونيه، البترون، طرابلس،…) ولبنان الجمال اختصرته في ثلاثين دقيقةً كاميرا فؤاد خوري بحراً وثلجاً، شاطئاً وجبالاً، ساحلاً ومصايف، سهولاً وحقولاً وبساتين، نزُهاتٍ ومعالِمَ، أطباقاً لبنانيةً وتقاليد لبنانية، شلاّلاتٍ وأنهاراً، احتفالاتٍ وليالي، تزلُّجاً مائياً وثلجياً، ومشياتٍ كورنيشيةً واصطيافية.
هذه الجمالات اللبنانية كَبْسَلَها فؤاد خوري في فيلمه، وجهّزه بخمس لغاتٍ عالمية حتّى يكونَ أفضل هديةٍ يحملُها لبنانيٌّ إلى لبنان وخارج لبنان، وأجمل تذكارٍ يحمله سائحٌ عن لبنان، يجدر أن تتهافتَ عليه شركاتُ السياحةِ والسفر، وأن يُقبلَ عليه الْمسؤولون في الْحكم – رؤساءَ ووزراءَ ونواباً وكبار موظفين – يُهدونه الى ضيوفِهم هنا ومُستضيفيهم في كلِّ هناك، ويليقُ بأن تتبنّاهُ سفاراتُنا الى بلدان العالَم تعريفاً بلبنانَ في العالَم (وما أكثرَ ما تُتاحُ لَهم وللبنانَ هذه الفُرَص، لكثرة ما يُدعى السفراءُ الى أعياد وطنيةٍ ومناسباتٍ رسميةٍ وكوكتيلاتٍ اجتماعية وفيها جميعِها فرصةٌ لتقديم لبنان عبر هذا الفيلم)، ويَجْمُلُ أن يعتمدَ هذا الفيلمَ منظِّمو الْمؤتَمرات الدُّولية واللقاءات العالَمية والْمناسبات التي يؤمّونَها من كل نوع.
قبل اليوم كان يَلزمُ، للتعريف بالوطن، كلامٌ عليه كثيرٌ متنقِّلٌ مَحفوفٌ بوثائقَ ووسائلَ وصورٍ لإبراز ما في هذا الوطن من معالِمَ وأعلام. بعد اليوم صار بإمكاننا أن نحمل جمال لبنان في جيبنا الصغير، ونأخذه معنا إلى كُلِّ العالم.
فؤاد خوري، الفنانُ العين، ابنُ الْجمال والْجماليا، راهنَ على ذلك، ونَجحَ في الرِّهان لتأمين هذا العمل الجميل الْمُضْني، تَختصرُه إصبعان لِحَمْله، ويكفيه جيبُ قميصٍ لوضْعه وأخْذِهِ من لبنانَ الى آخر الدنيا، حاملاً زنبقيةَ ما حبا الله لبنانَ، وما على أبناءِ لبنانَ أن يَعُوه ويُحافظوا عليه وطناً يقدّمونه الى العالَم نبع الحضارات والقيم والإبداع، عوضَ هذا اللبنان السياسي الغارق اليوم في وُحوله وصغائر سياسيه.
فيلم فؤاد خوري يَختصر بالكاميرا ما تَلزَم الأقلامَ صفحاتٌ من الكتابة تُخاطب الْخيال ولا تُخاطب العين، فكيف بفيلم جميل للرؤية والتذوّق يستحق تحية الإعجاب لفؤاد خوري وفريق عمله، وندى خوري رحمة وفريق عملها، لتحقيق فيلمٍ بِحجم القُبلة، وما أروعَ أن نُهدي عن لبنانَ قُبلةً من هذا الوطنِ القِبْلةِ الذي لا يَحتاج منّا إلاّ نُحبَّه ونعملَ له لا بخطابات وشعارات وقصائد وأغانٍ بل بفعلٍ إراديٍّ يَبلغ حدَّ الْمغامرةِ من أجل الْحب، مثلَما تَجلّى حُبُّ فؤاد وندى على أرض لبنانَ الذي انْحَنَت الكاميرا كي تَبُوسَ أرضَه فأطلَعَتْ منها سنابلَ جَمالٍ تَتَوَزَّعُ قمحاً من لبنان الى خُبْزِ العالَم.