347: “وحيد عَ 3 صبيان”

السبت 6 آذار 2004
– 7 4 3 –
أَبْعَد من قراءة نقدية لهذه المسرحية (مسرح جورج الخامس) يجمُل التوقّف عند ظاهرة أُخرى تثيرها: المواهب. فالْمُشاهد يخرج منها براحة نفسية ورضى ذهني وبسمة هانئة، لكنه أيضاً يخرج بفرح المثول أمام كوكبة مواهب.
الأُولى: موهبة مروان نجار الذي (يا وقاه الله صيبات عيون الحسودين وما أكثرهم) تمكَّن، رغم غزارة نتاجه تلفزيونياً ومسرحياً وسينمائياً، من حياكة نصٍ مسرحي متماسك مشغول مصقول كأنما اشتغل عليه سنواتٍ طويلةً كتابةً ونحتاً وتحريراً، أو كأنه لم يكتب سواه في سنواته الأخيرة، لشدّة ما استطاع أن يربط النص بالممثل، والممثل بالحوار، والحوار بتشكيلية تنفيذه، في نسيج متماسك قد يكون الأقرب الى نص راي كوني (كاتب النص الأصلي، الذي كتبه كممثل خبير، واشتغله مع مخرج خبير آخر: توني هاملتون). وإذا كان نص الممثل محبوكاً عادةً بتجربته على الخشبة ترفده في كتابته النص، فمروان نجار، بتحريكه المجاميع على الخشبة والشاشتين الكبيرة والصغيرة، بات على تجربة متمرسة تتيح له ألاّ يترك كبير هامش لمخرج النص على الخشبة أو وراء الكاميرا.
الموهبة الثانية: طلال الجردي. وكنا من زمان (منذ غاب شوشو قبل ثلث قرن) لم نشهد ممثلاً مذهل الحضور، طاغي السطوة بين الكوميديا والفودفيل، حتى جاءنا طلال الجردي الذي نتابعه عملاً بعد عمل، شاشةً ومسرحاً، حتى فاجأَنا في “وحيد ع 3 صبيان” بتقمُّصه ثلاثة أدوار متلازّة متلاصقة، لا يفصل الواحد عن الآخر أحياناً أكثر من نصف دقيقة (أُكرر: نصف دقيقة) يطل بعدها علينا بالشخصية التالية فلا يذكّرنا بالشخصية السابقة ولا بِملمح. وفي هذه الظاهرة قدرة لا تمثيلية وحسب، بل إبداعية تجعل من طلال الجردي ممثلاً نرصد عليه مستقبلاً يتخطى حدود لبنان. ولذا نتمنى على مروان نجار كتابة مونودراما يتكوكب فيها طلال الجردي وحده على الخشبة في شخصيات متلاحقة متعددة مستقلة، فلا يبقى “مجنون” غوغول بيضة الديك. وطلال الجردي موعدنا الآتي مع تمثيل نراه نموذجاً لا للجمهور وحسب بل لطلاب معاهد الفنون في الجامعات.
الموهبة الثالثة: رنا نجار التي ساعدها النص (الكثير الشروح التلقائية) على ضبط إيقاع ممتاز للمسرحية (والإخراج إيقاع بالدرجة الأُولى) وتحريكها الممثلين في طواعية عالية تكرسها كذلك بين وعودنا الجميلة.
الموهبة الرابعة: رياض شيرازي الذي يستحقّ لوحده بطولة مقبلة من مروان نجار. فحضوره كامل وانغماسه الكلي في الدور (إطاراً عاماً وتفاصيل) يخوّله الإمساك بمشاهديه من الستارة الى الستارة في إيقاع مشدود.
وهذا لا يقلّل من أدوار مساعدة كان متكاملاً فيها حضور عاطف العلَم وجوزف سعَيْد ومايا يمين ونيكول معتوق وزينة ضاهر ونور حسن وجوني رميا وطارق سويد، وجميعهم خدموا النص بمقدار ما خدمهم.
بلى: يفرح القلب بهذا الرعيل الجديد من ممثلين تُخَرِّجهم معاهد الفنون عندنا ويتكرَّسون متمكنين بقدرة كان مكرّسونا الرواد استغرقوا ردحاً أطول كي يبلغوها. وما رمى إليه مروان نجار في الـ”كوميديا موتوريّا” حققه بامتيازٍ مع فريق عمله الذي أعطاه (وخصوصاً طلال الجردي بموهبته المذهلة) تجسيداً رائعاً لـ”اللحظة المسرحية التي تثير الضحك بتعقيدها لا بمعانيها”، وهنا قوة مروان نجار الكاتب المثقَّف الذي نغنم من ثقافته المسرحية بقدرما نغنم من موهبته الكتابية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*