السبت 14 شباط 2004
– 4 4 3 –
لا نفهم لماذا سياسيونا (في معظمهم) لا يحضرون الأمسيات الموسيقية التي تقدمها الأوركسترا السمفونيَّة الوطنية اللبنانية، أو الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية.
ولا نفهم لماذا (في معظمهم) لا نراهم في العروض المسرحية أو صالات السينما (خصوصاً حين الفيلم لبناني) أو في الأمسيات الشعرية أو الندوات الأدبية.
ولا نفهم لماذا لا نراهم في معارض الكُتُب يشترون كتاباً، وإذا ذهبوا فإلى حفلة توقيع كي تصدر صورتهم غداتها في الصحف، أو يذهبون كرمى للمؤلف لأنه غالباً من دائرتهم الانتخابية أو حلقة مريديهم.
لا نفهم لماذا لا يحضرون الأنشطة الثقافية إلاّ إذا كانت تحت رعايتهم الكريمة (أو يحضرون ممثلي أصحاب الرعاية) فلا يبدأ الاحتفال إلا ترحيباً بهم وشكراناً وامتناناً “على تفضُّلهم بالحضور رغم مشاغلهم الكثيرة” وعلى “تشريفهم الحضور” بأن حضروا هم شخصياً بحذافيرهم ولم يوفدوا واحداً يمثلهم. ويجلسون طبعاً أمام الناس فيتصدّرون الصف الأول الذي يصار أحياناً الى “اختراعه” لهم بعدما يكون الصف الأول امتلأ بالناس (العاديين طبعاً من مثقفين ومبدعين)، ذلك أنهم، من غير شر، يصلون دائماً متأخرين ويحرصون على مصافحة الناس ولو كان على المنبر خطيب يتكلم.
لا نفهم لماذا ينظرون الى المثقفين والمبدعين نظرة فوقية: فالممثل عندهم “مشخَّصاتي” والموسيقي “مزِّيكاتي”، والشاعر “واحد بيكتب شعر”، والشعراء “شعَّار” (بتشديد العين)، والرسّام “مصوّرجي”، والنحات “واحد بيعمل تماثيل”، الى تعابير جاهلة أمية يقولونها في شيء من التعالي والسخرية لأن أصحابها في قناعتهم من الدرجة الثانية أو ثالثة أو، في أي حال، دونهم قيمة لأن الدرجة الأُولى هي في عرفهم لفصيلة السياسيين الذين يحكمون البلد، ويديرون شؤون البلد، ويمسكون بمصير البلد، ويحرقون أعصابهم وعمرهم من أجل البلد، ويعملون على إنقاذ البلد، ولولاهم لـ”راح البلد”، ولذلك يرون طبيعياً أن تكون لهم الصدارة، لكنهم لا يعلمون بأن هذه الصدارة السياسية، اليوم، ستنتهي غداً الى البيت أو المنفى أو السجن أو القبر وفي أفضل الحالات الى النسيان.
لا نفهم لماذا حين يذهبون في سياحة، أو مهمة الى الْخارج، لا يحملون معهم “هدية من لبنان” كتاباً لمؤلف لبناني أو لوحة لرسام لبناني أو أُسطوانة سي دي لموسيقي من لبنان.
لا نفهم لماذا يعتبرون الثقافة “ترفاً إضافياً” أو وقتاً ضائعاً خارج وقتهم “الثمين” الذين يملأُونه إجمالاً بسهرات تقام على شرفهم أو يتصدّرونها نجوماً يتحلَّق حولهم الناس يسألونهم فيجيبون من وراء دخان سيجارهم الغليظ.
هذه علاقة معظم “بيت بو سياسة” عندنا مع الثقافة. والتحية الى قليلين منهم نراهم في مسرح أو كونشرتو أو مكتبة، فلنا فيهم رجاءٌ لإصلاحٍ غير ميؤوس منه يبدأ حين يعترفُ أهل السياسة بأولوية المبدعين.