336: الطلاق بين صحافتنا والأدب

السبت 20 كانون الأول 2003
– 336 –
خلال ندوة “دور وسائل الإعلام في تشجيع الأدب والكتاب” (من البرنامج الألْماني في الْمعرض العربي والدُّولِي السابع والأربعين للكتاب – تنظيم النادي الثقافي العربي في “إكسبو بيروت”) وعن تَجربة الثقافة في وسائل الإعلام، أشار الصحافي الألْماني إيغوما مانغولد الى الدعم الْمادي العالي الذي توفره كبرى الصحف الألْمانية للصفحات الثقافية لديْها، وقال إن أهم صحيفة ألْمانية “فرانكفورت ألْغيمانيه تسايتونغ” (أي “جريدة فرانكفورت العامة”) تُخصص يومياً 12 صفحة لقسمها الثقافي”. وجاء في مداخلة الكاتب اللبناني الرصين حسن داود: “حتى الستينات، كانت القصائد العمودية التي تقال على منابر الْمهرجانات تَجد طريقها في اليوم التالي الى الصفحات الأُولى من الصحف. كانت القصيدة حدثاً. واليوم توقفت الصفحات الثقافية عن نشر ذاك النوع من الشعر ليس في الصفحات الأولى فقط بل أَيضاً في صفحات الثقافة (…) ويبدو أن هناك طلاقاً كاملاً بين القديم والْحديث” (“النهار” 6/11/2003).
إذا كنا (على ما قاله مانغولد) نفهم ألاّ تُخصص صحفنا صفحات عديدة للثقافة، فإننا (قياساً على صوابية ما قاله حسن داود) لا نفهم هذه الإشاحة من صحفنا عن الْحالات الأدبية التي تَحصل (مهرجاناتٍ أو لقاءات كبرى) عدا نتف موسِمية (على الصفحة الأولى من “النهار” مثلاً) لأمسياتٍ موسيقية أو غنائية كبرى خلال مهرجانات الصيف، لتأتي التتمة في الصفحات الداخلية. أما الأدب، وأما الشعر تَحديداً، فلا نلقى له أثراً على الصفحات الأولى من صحفنا، لنلقاه موجزاً بـتغطية “مقتطفاتية” في صفحة ثقافية داخلية.
مساء الْجمعة الْماضي، شهد قصر الأونسكو مهرجاناً لبنانياً وعربياً ضخماً (حضوراً ومشاركين) أعاد الى الذاكرة الناصعة أيام مهرجانات كرم ملحم كرم والأخطل الصغير وشبلي الْملاَّط وأنطون قازان، أيام كانت الصفحات الأولى من صحف تلك الأيام تتسابق الى إبراز أبيات من القصائد في الصفحة الأولى، وفي الصفحات الداخلية تـنشر النصوص الكاملة للمهرجان، شعريَّها والنثريّ، وتكون مرجعاً لاحقاً للباحثين والأدباء.
مهرجان كرم ملحم كرم (مساء الْجمعة الْماضي) كان حدثاً أدبياً لبنانياً وعربياً كبيراً نقلته مباشرةً (أرضياً وفضائياً) مَحطة تلفزيون لبنان ومَحطتا “صوت لبنان” و”إذاعة لبنان” فحملت ثلاثتها الْمهرجان كاملاً على الأثير الى العالَم كله (بدليل اتصالات كثيرة جاءت من الْخارج). هكذا عوّضت الْمحطات الأثيرية عن بَهجة ما كانت الصحافة اللبنانية تقدمه مبتهجة في صفحاتِها الأولى، ولو أن الأثير يذهب مع الْهواء بنصوص الْمهرجانات ولا يَحفظها بينما تَحفظها الصحافة (لو فعَلَت) مؤرشفة الى الأجيال التالية.
أما هذا الطلاق في صحافتنا بين صفحاتِها الأولى والأدب، وتالياً بين معظم صفحاتِها الثقافية الداخلية والأدب، فدليل قحط يسببه اثنان: مسؤول جريدة لا يرى من الْمهنة إلاّ وجهها السياسي، ومسؤول صفحة ثقافية ليس ابن الأدب وتالياً لا يَهمّه من الْحدث إلاّ تغطيته “الْمقتطفاتية”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*