السبت 13 كانون الأوّل 2003
– 335 –
بين متشائم ينعى الْمسرح اللبناني ومتشائل يواصل النَّقّ على حالة الْمسرح في لبنان، نرافق مُحاولات شبابنا الْمسرحيين (معظمهم خرّيْجو جامعاتنا) ينحتون في ضباب أجوائنا الكثيف جرأتَهم في تَحَدّي الصعوبات.
بعد “الْمكفوف” في مسرح مونو (“أزرار” الأسبوع الْماضي) شاهدنا “حريقة” (في مسرح بيْريت) فأَسعدَنا أصحابُها بِما لَمسنا لديْهم من احترافية سليمة لَم يروّس دوائرَها عمرهُم الْمسرحي الطري.
العمل عن نص “حريق في الطابق السفلي” للتشيكوسلوفاكي بافل كوهوت (قدَّمت له لطيفة ملتقى عام 1993 في مسرح مارون النقاش “حرب في الطابق الثالث” إعداداً وإخراجاً في مسرح وسطي). ومع أنَّ هذا هو العمل الاحترافي الأول لِميشال أَضَبَاشي (تَخرَّج عام 1993 من معهد الفنون في الْجامعة اللبنانية بِمَسَرَحَة نصين من ميخائيل نعيمة: “العاقر” و”اليوم الأخير”) فهو تَمَكَّن من تشكيل إيقاعٍ مضبوطٍ (على سرعته أحياناً) لَم يُفلِت منه مُمثلوه طوال الْمسرحية، ما جعل لإدائهم حضوراً ساطعاً في تَمثيلِهم وتَحرُّكهم على الْخشبة.
ربّما لانضباط هذا الإيقاع، لَم يتّسع التفاوت بين أداء مايا يَمّين وزياد صعيبِي وإيلي يوسف وإيلي متري وعصام بريدي، كأن ليس بينهم دور أول ودور كومبارس. وهذا ما جعل العمل في فصله الوحيد متناسق الْمشاهد والتصويت والْمؤثرات، وجعلهم متساوين في انتظارنا إياهم وعوداً جديدة وثقى لِمسرحنا الْجديد، وجديرين بتمثيل الْمسرح اللبناني في أيّ مهرجانٍ للمسرح تقيمه أية عاصمة أو مدينة كبرى من العالَم.
وإذا في نص كوهوت إلْماح واضح الى تدخل الأجهزة وفسادها وتَحايلها على الْمواطنين، فميشال أضباشي عرف كيف يبقي على النص الأصلي من دون خيانة، وكيف يقدمه الى الْجمهور اللبناني من دون غربة. وبِذا يبدو نصه لصيقاً بالوضع اللبناني من دون سقوط الْحوار في راهن الوضع اللبناني على طريقة الشانسونييه.
وما يبشر بالأمل في فريق “حريقة” كون أعضائه من فرقة “كورس” (أسسها عام 2001 ميشال أضباشي وزياد صعيبِي وميشال الْحوراني ثم انضمت إليها مي توما وباسكال حرفوش ومايا يَمّين) وفي أهدافها “التوجه للكتابة الْجماعية وتعزيز الْمسرح الْجوال وإقامة مُحترف تدريبِي، وهو ما يُشير الى إيْمان عناصر “كورس” بالْمسرح كتعبير وقدر ومصير، نأمل ألاَّ تعيقهم عن تَحقيق أحلامهم (وهي بعض أحلامنا) صدماتٌ على الطريق.
ولعل رأْس هذه الصدمات إشاحة الْجمهور عن حضور الْمسرحيات الْجادة الْمشغولة، بعدما بات مهروقاً ومفسوداً ومائعاًَ ورخواً حتى الْجهل والأمية بسبب الأعمال السهلة الرخيصة التجارية، وبسبب التكاسل الغبِيّ أمام شاشة التلفزيون التي تقدم لِجمهورنا اللبناني (والعالَمي مع الأسف على الْهوائيات) برامج سخيفة أميّة تزيد من جهل الناس بدل أن تزيد من تثقيفهم، وتوغل في تعويدهم على السهل والرخيص بدل تعويدهم على بناء ذائقتهم الفنية والأدبية، حتى بتنا نَخاف على كل جيل جديد يكبر ويتابع برامج هذا التلفزيون الأميّ العاقر.