السبت 25 تشرين الأول 2003
كَسَب (اللاذقية) – 8 2 3 –
فيما يَتَسَلْحَفُ الباص بنا مصعّداً التلال والْمنعطفات الْمُتَأَفْعِنَة بين اللاذقية وكَسَب عبر رأس شَمرا وأوغاريت (“أزرار” الأسبوع الْمقبل) وأم الطيور ورأس البسيط والبدروسية وجبل قسطل وبُحيرة بَـلُّوران، تَمهّل عند منعطف فقال الدليل: “هنا النقطة الْحدودية بين سوريا وتركيا”. وأكمل الباص صعداً حتى مطعم عند أعلى نقطة في كَسَب.
من تلك التلة العالية رحت أستنطق الدليل فيشرح: “نَحن على ارتفاع 800 متر. هذا الذي هناك شرقاً جبل الأقرع (1700م) يفصل بين الدولتين. وهذا الذي خلفنا غرباً جبل يفصلنا عن أنطاكيا ولواء الاسكندرون. وفي كَسَب جالية أرمنية نزحت منذ التهجير (1915). وتشتهر كَسَب بالسياحة لِموقعها الْمميز، وبفاكهتها الطيّـبة (تفاح، كرمة) وأشجار الغار (ومصانع صابون الغار) ومصطافيها الْمغتربين يؤمّونَها كل صيف. وكل هذه الْخضرة حولنا وطوال الطريق صعداً: سهول (وخصوصاً حمضيات تشجع الدولة زراعتها وتدعمها) وغابات وأدغال معظمها مَحميات تسهر الدولة عليها فتمنع (بغرامة قاسية) قطع الأشجار. وهذه النقاط العالية في كل بقعة أمامك: أبراج مراقبة ساهرة 24/24 لِحماية الأدغال أشجاراً وحيوانات، لأن في سياسة الدولة تنشيط الزراعة (“ذهب الأرض”) عبر القروض الْميسّرة وتسهيل التسويق (تصديراً وحفاظاً على السعر عند النقص) ودعم التعاونيات الزراعية وتأْمين الْماء والسدود والبذور والأدوية الزراعية لِحماية الزرع فيقطف الْمزارعون أفضل استـثمار لِمنـتجاتِهم”.
وكان الدليل، عند بُحيرة بَـلُّوران الاصطناعية، شرح لي عنها: “عمقها 25م. علو سدِّها 77م. طولُها 4 كلم، عرضها كيلومتران، مَمنوع فيها السباحة والصيد، عند نِهاية السدّ معمل تكرير الْمياه لاستصلاحها، تَحوطها وتظلِّلها أشجار الصنوبر والغار والسرو والسنديان والْحور والدلب، فيها سَمك “الكارب”، وهي نقطة جذب رئيسة بِمطاعم فيها ومناظر طبيعية تَجعلها من الْمعالِم السياحية اللافتة”.
غير أن مُحدّثي كان في مكان (سياحي، زراعي) وأنا في مكان آخر: أتأَمّل من عليا التلة قرية أمامي كيف قال لي الدليل إنّها قريته السورية انفصل سكانُها عن أهاليهم بعدما أصبحت القرية تَحت السلطة التركية منذ انفصل لواء الاسكندرون، ورفضت سوريا الواقع فلم تنشئ نقطة حدود بل معبراً، وكيف ذهب الـ”لواء” يومها “فرق ترضية” عوض الْموصل وكركوك (بانضمام ولاية الْموصل الى العراق وانفصالِها عن السلطنة العثمانية)، وكيف كان تزوير استفتاء 1938 (بِموافقة انتداب فرنسي كان يريد استرضاء تركيا) فقيل إن أكثرية السكان (؟!) اختارت أن ينضم الـ”لواء” الى تركيـا فأقرّته “عصبة الأمم” (1939) وبقيت دولة سوريا ترفضه وتعتبر الـ”لواء” أرضاً سورية.
بالأمس “عصبة الأمم”، واليوم “هيئة الأمم الْمتحدة” و”مَجلس الأمن”، وما زالت الدول الكبرى تُمارس “ديْمقراطية الفيتو” لتشجع الظلم والكيل بِمكيالين ورعاية مصالِحها وقهر الشعوب من أعلى تلة في كسب تطل على قرية سورية بين فكي تركيا، الى أعلى تلة في شبعا تطل على مزارع لبنانية بين فكي إسرائيل.