24 شباط 2003
-3 9 2 –
منذ بدء اشتغالي على جَمع التراث اللبناني من مُختلف مصادره اللبنانية الْمحلية والعالَمية (الاغترابية) لـ”مركز التراث اللبناني”(في الْجامعة اللبنانية الأميركية) وأنا أعاين من تراثنا غنىً وكنوزاً وإرثاً عظيماً يزيد من غضبي على كل من يستعمل (وخاصة بين أهل “بيت بو سياسة”) عبارة “هذا الوطن الصغير”. ذلك أنّ عندنا تراثاً (نوعياً وكمّياً) لا يُمكن من لا يعرف لبنان أن يصدّق أنه تراث هذا الوطن الـ”زغيَّر ووسْع الدنِي”.
في هذا السياق حَمل إلَيَّ علي حسين مزرعاني (مُؤَهَّل أول في جيش لبنان) جُزءَين موسوعيَّين، ووضعَهُما على مكتبي في “الْمركز” مردفاً باعتزازٍ جنوبِيٍّ أنوف: “هذا بعض تراث بلدتِي الْحبيبة: النبطية”.
بعض؟! وإذا بِي أمام مُجلَّدَين كبيرَين: “النبطية في الذاكرة – صُوَر ووثائق من 1860 الى 1999″ (طبعة أُولى – 488 صفحة قطعاً موسوعياً كبيراً)، و”قضاء النبطية في قرن – من 1900 الى 2000” (طبعة أُولى – 2002 – 376 صفحة قطعاً موسوعياً كبيراً).
وعجبتُ لِهذا الْمُؤهَّل في جيشنا كيف أتيح له الوقت ضمن خدمته العسكرية أن يُنْجِزَ ما به قام من بَحث وتنقيب وتقميش وقراءة مراجع ومعاينة مصادر ومساءلة كبار القوم والْتقاط صور فوتوغرافية حالية وتَجميع صور فوتوغرافية قديْمة ووثائق تراثية وإدارية ورسمية وخاصة واجتماعية وعائلية ووطنية من منابع مُختلفة.
وتكون الْحصيلة أن ينصرف الْمؤهَّل داخل غرفته في الثكنة يصوغ مُجلّديه (الأول في 900 صورة ووثيقة، والآخر في ضعف هذا الرقم حول التراث والْجغرافيا والثقافة والاجتماع)، ويُهدي الأول “الى عُلَماء النبطية الأعلام: الشيخ أحْمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والشيخ عبدالْحسيْن صادق”، ويُهدي الآخر “الى أبناء جبل عامل مدافعين عن حرِّيَّتهم وعن قرارهم”. وإذا به تَحت هذه الراية العشقية لبلدته النبطية، يَجول على الْمسار الوطني لِمدينة النبطية (خلال الْحُكْم العثمانِي فالْحكومة العربية فالانتداب الفرنسي فإنشاء دولة لبنان الكبير فالْخطر الصهيونِي فالْحرب العالَمية الثانية) وعلى التراث الثقافي والإداري للنبطية (الْحركة العلْمية والْحياة الثقافية والتقسيمات الإدارية والتنظيمات الإدارية والانتخابات النيابية) مروراً على ذكرى عاشوراء وقلعة الشقيف. وجال على قضاء النبطية مدينةً مدينةً وقريةً قرية، بِكل ما يَخطر لقارئٍ أن يعرفه من معلومات في مُختلف الْحقول والقطاعات عن كل بلدة ومدينة.
والى الثبْت البيبليوغرافي بالصوَر القديْمة والوسيطة والْحديثة، والوثائق والْمخطوطات النادرة والثمينة من أرض النبطية وأهل النبطية وإرث النبطية وأعلام النبطية العباقرة في كل حقل (العبقري الْخالد حسن كامل الصبّاح في طليعتهم، والْمؤلّف أفرد له حيزاً مُمَيَّزاً مؤثِّراً) رفدوا لبنان والعالَم من عطائِهم العلمي والديني والفقهي والأدبي…
بعد كل هذا، يكتب الْمؤلّف بتواضع: “هذه مُحاولة أُولَى لتأريْخ مدينة النبطية”. وهو على حَق، فمهمَّته أن يَجمع التراث ليأْتِي الْمؤرّخ ويَجد لبنة أولى موجودة، فيبني عليها بَحثه والكتابة، انطلاقاً من ذاكرة كتاب موثَّق.
علي حسين مزرعاني، ابن جيشنا، أحبَّ بلدته النبطية ليلأْلِئَها عروس جبل عامل.