276: ساعاتٌ بيضاء في رُبوع السويداء 1/2

سـاعـاتٌ بـيـضـاء في ربُـوع السـويـداء 1/2
الاثنين 28 تشرين الأول 2002
السويداء – 276 –
الطريق من دمشق الى السويداء (100 كلم) مُمتدَّةٌ وسيعةً كالكَفّ الناعِمة بين أرض وسَماء، تَحوطُها مساحاتٌ هي حيناً زراعية وأخرى مفتوحة للفلوات. ومع اقترابِنا من السويداء، تطالعنا الْحجارة البازالتية الدهرية، شظايا بركانٍ انفجر في تلك الْمنطقة منذ آلاف السنين، والأرجح أن حجره الأسود أعطى اسْمه للمنطقة.
وما كاد الإخوان يستقبلوننا في مقر اتّحاد الكتّاب العرب (فرع السويداء – صاحب الدعوة الى الأمسية الشعرية) ونركن حقائبَنا الى الغرف الْمخصصة لنا في مطرانية بصرى وحوران للروم الأرثوذكس، حتى هتفوا بنا: “هلُمُّوا الى الْمزرعة”، فـاهْـلَـمَـمْـنا. وهناك (على 10 كلم من السويداء)، عند مدخل نُصُبٍ هائل بشكل سيف، في الْمكان الْمخصص تَخليداً لِموقعة الْمزرعة، تولّى الشرحَ رئيسُ فرع الاتّحاد الأديب اسْماعيل الْملحم (صاحب كتاب “معركة الْمزرعة: 2و3 آب 1925- معركة السلاح الأبيض”) فاستفاض في وقائع بطولية سَطَّرَها الثوار ضد الْجيش الفرنسي موقعين (فجر الثاني من آب 1925) آلاف الصرعى ومنتصرين على الفرنسيين عند نبع الْمزرعة، بقيادة البطل الْخالد سلطان باشا الأطرش، وبِذا تتغنّى فيروز من شعر سعيد عقل: “ذكَّرْتُكِ الْخمس والعشرين ثورتَها… ذاك النشيد الى الدنيا أن: اصطخبِي” (من قصيدة “شآم ما الْمجد؟ أنتِ الْمجدُ لَم يغِبِ”).
وعن “جبل الدروز” الذي أصبح “جبل العرب”، يشرح دليلنا الأديب أن التعبير يعود الى الْمؤَرّخ اللبناني ابن رأْس الْمتن عَجاج نويهض من خطاب له (عام 1937) في عمّان، ويومَها تبنّى ذوو الأمر التعبير وجعلوه رسْمياً.
ومن أين الى هنا؟ يُجيب الشاعر ثائر زين الدين (أمين الثقافة في فرع اتَحاد الكتّاب): “الى مغارة عَريقة” (بفتح العين وكسر الراء). وإذ نبلُغ مدخل القرية (27 كلم عن السويداء) يطالعُنا تِمثال على الدوّار، بإزميل ابن البلدة النحات إياد دوّارة (شارك عامَي 2001 و2002 في “سِمبوزيوم عاليه” و”أيام رأْس الْمتن للرسم والنحت”). ويستقبلُنا رئيس البلدية مهدي الظاهر عزام باندفاع وحَماسةٍ لِما ينفذه في بلدته وبلديته من مشاريع حضارية وفنية وثقافية (الى جانب العمل الإداري والبلدي) فندلف الى الْمغارة نصغي الى شرح الرئيس: مغارة كارستيّة، طولُها 1460، أكبر نازل فيها، عبر مسارب البازالت، طوله ثلاثة سنتيمترات متكون خلال 400 ألف سنة. هي أكبر مغارة بازالْتِية مكتشَفَة في العالَم. تشكَّلَت من مقذوفات البركان. لَها ثلاثة كهوف (180م. وهو الذي استطعنا الدخول إليه والوقوف فيه، ثم الآخران 60 م. و17م. استـثـغـرَ نبعَها الاسكندر الْمقدوني لدى مروره في الْمنطقة. سَماها “أهريتْز” (= النبع الْجاري). حافظ الرومان على اسْمها، لكن التدمريين والأنباط حرّفوه الى “عهريت”، وأكمل العثمانيون تَحريفه الى “عاهرة”. ومع فجر العهد الوطني وتعيين عارف بك النكدي أول مُحافظ على السويداء (1946) وعى عراقة هذه البلدة فاقترح لَها اسْم “عريقة” وسرى اسْمها حتى اليوم.
حين خرجنا من الْمغارة الى فجوة مدخلِها، حيث مطعم طريف الشكل والْمضمون، تطلّعنا الى فوق، فإذا القمرُ ملفوفٌ بشالٍ أبيض شفاف من غيم أول الليل، كأنه شرنقةٌ بيضاء فوقُ في قعر مياه صافية. وهناك كانت سهرةٌ “عريقية” تَمازَجَ فيها التاريْخ والشعر وضوء القمر و… صوت فيروز.
(الأُسبوع الْمقبل: في قنوات وبصرى)

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*