الاثنين 21 تشرين الأول 2002
– 275 –
– ما الذي ترغب به بعد أمْجاد عظيمة حقَّقْتَها للبنان على منابر أرقى جامعات الأميركتَيْن؟
– أرغب، إذا مُتُّ خارج وطني، أن يحملني طير فينيق ويلقيني على تربة بلدتي بتاتر التي من خيرتِها اغتَذَيْت.
السائل: يوسف البعيني، والْمجيب: حبيب اسطفان، ابن بتاتر، تلميذ “الْحكمة” (1905)، خريج جامعة “انتشـار الإيْمان” في روما (1912)، الْخوري السابق يوسف أسطفان خادم رعية مار جرجس الْمارونية في بيروت
(1912- 1918)، العائد الى الْحياة العلمانية (بعد خلاف بينه وبين إكليروس بيْروت ومطرانِها) وإعجاب الأمير فيصل بن الْحسين به في بيروت واصطحابه إياه الى دمشق وتعيينه وزير الثقافة والإعلام، فإلى مؤتَمر الصلح في باريس، وتكليفه تشكيل فرئاسة الْمجمع اللغوي بين دمشق والقاهرة، ثُمّ انطلاقه الى الغرب خطيباً في كوبا فالولايات الْمتحدة فأسبانيا فالأرجنتين فالْمكسيك فالبرازيل ففنْزويلاّ فكولومبيا مُحاضراً على أعلى الْمنابر الْجامعية.
هذا العبقري اللبناني العالَمي، يوم تدشين “قاعة عظماء اللبنانيين” في “مكسيكو سيتي”، قال عنه وزير الثقافة الْمكسيكي وهو يرفع الستارة عن تِمثاله: “قد يتساءل البعض لِماذا أقمنا في هذه القاعة تِمثال حبيب أسطفان قبل تِمثال جبران. والْجواب أنّ جبران كان في كتاباته شُمولي الْحضارة الإنسانية، بينما حبيب أسطفان أمضى ربع قرن يَجوب الأميركتين وأوروبا يكتب ويَخطب ويُحاضر في أمْجاد لبنان والقضية اللبنانية وسيادة لبنان الْمستقِل تَماماً”.
في تشرين الأول 1918، وكان يومها لا يزال الْخوري يوسف أسطفان (خادم رعية مار جرجس الْمارونية) ألقى قصيدة “جلاء الترك”، فكان أبرز الْمتحمّسين لَها شاب عيَّنه الشريف فيصل بن الْحسين الْهاشِمي حاكِماً على مدينة صيدا. كان الشاب يدعى رياض الصلح، وتعرّف بالْخوري يوسف وأضمرا عملاً للبنان ينقذه من الـ”عثمنة”.
وفي تشرين الثاني 1918 صدرت جريدة “البرق” حاملةً نبأ تأسيس “حزب الشبيبة اللبنانية”، وإذا بالْمؤسسين ثلاثة: الْخوري يوسف أسطفان، حاكم صيدا رياض الصلح، وصاحب “البرق” بشارة الْخوري.
اليوم، بعد نصف قرن ونيف على غيابه، تكرّمه بلدته الْحبيبة بتاتر (قضاء عاليه) استجابةً لرسالةٍ رفعها ابن شقيقه (السفير فريد أسطفان) الى رئيس بلدية بتاتر الشيخ فواز غرَيْزي مُطْلِعاً إياه على رغبة حبيب أسطفان (من جوابه ليوسف البعيني) وطالباً إياه “العمل على إقامة نصب لِهذا العبقري اللبناني الْماروني عند مدخل بلدته بتاتر عاصمة الْجرد الدرزي”. ولَم يَطُل الْجواب حتى جاء من رئيس بلدية بتاتر، مدعوماً بِموافقة دامغة من الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، وبدأ التحرُّك النبيل: الْمجلس البلدي قدَّم باحة جَميلة من الساحة الْمنبسطة أمام مدخل مدرسة بتاتر الرسْمية، النحات عساف عساف (صاحب الإزميل الْمبدع الذي به نَحَت تَماثيل نبيه أبو الْحسن في بتخنيه، وشوشو ورأس ميخائيل نعيمه في الشخروب) هيَّأَ التصاميم الْجاهزة للبدء بالتمثال، رئيس البلدية الشيخ فواز غريزي يتابع الْموضوع باهْتمام، يؤازره زملاؤُه في الْمجلس البلدي وأعيانٌ من بلدة بتاتر متحمسون لرؤية تِمثال حبيب أسطفان على مدخل بلدتِهم الْجميلة، والسفير فريد أسطفان يتولى الأمور الإجرائية الضرورية لإنْجاز التمثال.
وبعد أشهر، سيرى الْمارة على مدخل بتاتر تِمثالاً لِهذا اللبناني الكبير، وعلى قاعدته عبارة: “أمير الْمنابر ابن بـتـاتـر حبيب أسطفان (9 آذار 1888- 3 نيسان 1946)” وسينحنون احتراماً، وتغتبط بتاتر.