السبت 21 أيلول 2002
– 271 –
ما أبشع الذين، من وراء الْميكروفون أو أمام الكاميرا يَمرّون على حرف “P” اللاتينِي (الباء مع ثلاث نقط تَحتها بالكتابة الْمطبعية العربية) ويلفظون “شكسبيْر” و”أوروبـا” و”أوبـرا” بالـ”باء” الْحادة (كما في “باء” بيْروت وجبيل وبابل والبُرج) فيصدر لفظهم غليظاً بشعاً خارجاً عن كل قاعدة للذوق أو الفهم أو الثقافة.
سأَلْتُ مرةً واحداً منهم، فأجابَنِي بسرعة البلاهة والْجهل أن الـ”P” الأجنبية ليست موجودة في الأبْجدية العربية، وتالياً يصرُّ أن يلفظها “باء” عربيةً حادة (كما في بيروت)، ولو بدا ذلك نافراً للسامع.
لا أفهم هذا الإصرار على التخلُّف، ولا هذا التعنُّت الْمتعصِّب للغة العربية حتى يعمد اللافظون الى تشويهِها (والتسبُّب في نفور الْمتنوّرين من هذا الشواذ البشع) فيما اللغة براءٌ من كل هذا التعصب. فالْحرف العربي (بِطواعيَّةٍ معطاةٍ للعامة في استعمالِهم إياه) يَحتمل كل أنواع اللفظ، حتى الأجنبِي منه. وهكذا يُمكن لفظ “فاء” فيكتور كما هي (لا بالـ”فاء” الْحادّة كما في فادي أو فاطمة) فيقال في العامية “منرفز” بالـ”V” اللاتينية لا بالـ”فاء” العربية الْحادة، ويقال “إنكليزي” أو “سيجارة” بلفظ الكاف أو الْجيم بالـ”G” اللاتينية كما هو اللفظ الأجنبي للكلمتين. وهكذا تَخطّت العامة مَحدودية اللفظ والتعصب الْجاهل له، الى وساعة تداخل الْحروف حضارياً بين اللغات.
وفي السياق نفسه، يصرّ مذيعون يتمتعون بالْجهل نفسه والتعصُّب نفسه الى قلب اسم كوفي أنان الى كوفي عنان، ولا أفهم مبرر ذلك سوى أن في العربية لفظة “عنان” التي لا صلة مطلقاً لَها باسْم الرجل. فلِماذا هذا الإصرار على قلب كل لفظ أجنبِي الى عربي، حين يُمكن لفظ الاسم أو الكلمة باللفظ الأجنبي لَها، من دون أن يكون اللافظ الصح من “سليل الاستعمار الأجنبي” أو “الصهيونية العالَمية” التي تسعى (وبدلائل واضحة) الى تَخريب حضارتنا.
غير أن مُحاولات أعدائنا الصهاينة تَخريب لغاتنا وتراثنا، لا تلغي أن نلفظ الأسْماء الأجنبية صحيحة، طالَما أنّ باستطاعتنا ذلك ولا مُعيق طبيعياً لنا دونه. من هنا نفهم (بوجود الْمعيق الطبيعي) أن تستهجن موظَّفة الْهجرة في “إليس آيلاند” سنة 1895 اسْم فتى لبناني يدعى جبران خليل جبران فتكتب اسْمه بِما يَجعل لفظه الأجنبِي “كاهليل” لأن الْخاء غيْر موجودة في لغتها ولا في أبْجديتِها اللاتينية التي ليس فيها خاء ولا ضاد ولا طاء ولا عين. هذا أمر مفهوم. أما أن يعمد مذيعونا، وبعض “الْمثقّفين جداً” عندنا، الى لفظ “شكسبير” أو “أوروبا” أو “أوبرا” بِحجة أن الـ”باء” حرف عربِي ويَجب الإصرار عليه مهما كانت الـ”P” في الاسم الأجنبي، فهذا، وليسمحوا لنا به، تَخَلُّف وجهل وحَماقة، ويُثيْر الشفقة في أذهان العالَم، ويؤكد على التخلُّف في عقل من يلفظون تلك البشاعات.
وسيرة اللفظ هنا تؤدي بنا الى أسْماء وكلمات أجنبية كثيرة يَتلفّظ بِها مغلوطةً مذيعون مُحترفون (كما في “بي.بي.سي.” لندن، ولنا عودة قريبة إليها) تَجعل السامع أو الْمشاهد يَمُجُّ هذا التخديش في سَمعه، فيغيّر الْمحطة حتى لا يكون، في مواصلة استماعه، شريك الْمذيع الأشوس (أو الْمذيعة “الشوساء”) في الْجهل والغباوة والتخلّف.