الاثنين 5 آب 2002
– 264 –
في احتفال تَخريْج دفعة جديدة من طلاب معهد “الكفاءات” (في الدورة الْخامسة والأربعين لتأْسيسه سنة 1957) أخبرنِي مؤسس “الكفاءات” وعميدُها نديْم حبيب شويري قصةً كانت ذات تأْثير تَحفيزي كبير في مطالع حياته حين شرع بالتفكير في “الكفاءات” مشروعه الْحضاري الإنساني الفريد.
والقصة: في مطلع القرن الْماضي كان هنري فورد يعانِي من مشكلة تقنية في تصنيع سيارة فورد، هي حَماوتُها في الْحَر، مِما كان له تأْثير سلبِي على تسويق سياراته، بازدياد منافسيه ورواج سياراتِهم. وذات يوم، دعا كبار مهندسيه الى دورة خاصة في اجتماعات مفتوحة ليدرسوا معاً كيفية “شفاء” سيارة فورد من الْحماوة. وبعد مداولاتٍ كثيرة وحلولٍ مقترحة فشلت جَميعُها، تقدَّم من هنري فورد عاملٌ بسيطٌ في الْمصنع، وبادره: “مستر فورد، أنا عندي الْحل”. وعندما سأله فورد عمّن يكون وعرف أنه عامل، مُجرد عامل في الْمصنع، انتهره: “أنت؟ جَميع هؤلاء الْمهندسين لَم يَجدوا الْحل وأنت تَجده؟ أُغرُب عنّي”. على أن العامل، واسْمه “جيمي”، كان متأَكداً من حلّه التقنِيّ بطريقة مغايرة لتبريد الْمحرك، فلم ييأَس من مُحاولة ثانية، مشفوعة هذه الْمرة بِمقدمة قال فيها لفورد: “أُطردني من العمل إذا لَم أنْجح”. وأمام الـ”لعلَّ” والـ”عسى” من الْمهندسين أنفسهم بإعطائه فرصةَ عرضِ ما عنده، أتاح له فورد أن يشرح طريقته للمهندسين ونفّذَها ميدانياً على سيارة موضوعة في تصرفهم للتجربة والاختبار، فنجح اختباره عليها وغابت عنها الْحماوة. وبعد التدارُس اعتمد الْمهندسون فكرة “جيمي” في تبريد مُحرك سيارات فورد .
ردة فعل هنري فورد كانت الآتية: “سأدفع لك ثلاثين سنتاً (ثلث دولار) لقاء تعبك طوال ساعات إجراء التجربة، وأُقَدِّم لك منحة كاملة للتخصص الْجامعي العالي في هندسة السيارات”. وهكذا كان، والتحق “جيمي” ثلاث سنوات بإحدى كبريات الْجامعات فأَنْهى اختصاصه مهندساً ميكانيكياً بتفَوُّقٍ أذهل أساتذته في الْجامعة. ونَهار التخرّج، وقف هنري فورد ليعلن على الْجميع أنه عيَّن “جيمي” الْمدير الفني في مصنع فورد للسيارات. وما هي سنوات قليلة حتى عادت سيارات فورد الى الطليعة بين شركات السيارات الأخرى، وحتى إذا جاء “جيمي” ذات يوم يطلب من هنري فورد يد ابنته، وافق فوراً فبات “جيمي” صهره ومدير مصنعه وشريك الْحصص الكبرى في أسهم الشركة التي بلغت ازدهاراً عظيماً.
الشاهد من هذه القصة (و”الكفاءات” تُخَرِّج سنوياً مئات الْمتخصصين في الْحقول الْمهنية والتقنية) أنّ الفرصة أتيحت أمام “جيمي” فَبَرَع، وعندنا في لبنان مئاتٌ مثل “جيمي” موهوبون وقادرون على براعات فريدة إذا أتيحت لَهم الفرصة. غير أن الفرصة لا تَهبط دائِماً من شجرة نيوتن، وعليهم، هُم، أن يطرقوا بابَها بثقة وإلْحاح وإصرار وعزم وثبات، قبل أن يدهَمهُم اليأْس ويقفوا على أبواب السفارات.