رياض فاخوري… لِـمـاذا خَـذَلْـتَـنـا؟
31 تموز 2002 – 263 –
لِماذا خَذَلْتنا اليوم ولَم تستجب، وكنت بيننا أول من يهرع الى آلامنا وصعوباتنا والضائقات، أيها الأخ والصديق والزميل والطيِّب الطيِّب الطيِّب حتى الإحراج؟
لِماذا لَم تستجب لنداءاتنا، وكنت بيننا أول من يلبي نداءات الأصدقاء؟
لِماذا لَم تعُد إلينا من غيبوبتك، وكنت بيننا الْحاضر الدائِم في وسطنا الثقافي الذي خدَمْتَه سنوات طويلة بأمانة عجيبة: قلماً وحضوراً ومنبراً وصوتاً من أنقانا وأصفانا وأصدقنا على الإطلاق؟
كيف خذلْتَنا يا رياض، نَحن مُحبّيك وأصدقاءَك وقادري قلمِك، وأنت لَم تَخذلنا مرةً في حياتِك الشخصية ولا في مسيرتك الْمهنية؟
كيف لَم تعُد إلى أمال وكانت صابرةً حـدّ سرير أيامك الأخيرة بصمت وإيْمان وصلاة ضارعة؟
ألَم تسمع تاميراس (قصيدتك الْحية الأجْمل) وهي تقرأُ لك رسالتَها إليك الأحد الْماضي في “الأنوار”، وإلى جانبها عمر ووائل وتالا؟
ألَم تشتق الى صفحتك في “الأنوار” وإشرافك في “فيروز” والى رفاق لـك في أسرة “الصياد” أذهلَتْهُم غيبوبتُك الْمفاجئة الطويلة، وأنت لَم تغب عنهم يوماً واحداً منذ ثلث قرن؟
أيُمكن ألاّ تراك بعد اليوم بيت شباب التي ما كنت ترضى الغياب عنها ليلة واحدة مهما طال بك العمل النهاري، والتي لَم تتركها حتى في أصعب أيام سنوات الْجمر من الْحرب في لبنان، حين كان الوصول الى مستديرة “الصياد” أو الْخروج منها ضرباً من الْجنون؟
أهكذا تغادر ريشتك التي ستشتاق أن تنصاع لأناملك القاسية والْحنون معاً على فضاء القماشة البيضاء تترجم لأفكارك لوحاتٍ غريبةً كلحظاتك الغريبة؟
وماذا نقول لقلمك الذي أطاعك في حنان منذ “أصداف الصمت” الى صرختك “ليستيقظ الأساتذة” الى بُركانك “كاشف رأسه يتكلم” الى رحلتك الْجوانية في “الْمستوحد” الى رحلتك الرؤيوية صوب “نبي الْجليل”، الى حوارات “جبران والبهلوان وشيخ القصبة”، الى سائر إضاءاتِكَ على لبنان الشاعر؟
يا أطيب الأصدقاء يا رياض، وأنت لَم تَخذل يوماً من أحبُّوك، لِماذا خذَلْتَنا ونَحن نُحبُّك، فلَم تفتح عينيك لتعود إلينا صاحياً مرحَاباً ببسمتك الطيبة الأَلوف، و”نـتـعـاتـك” الانفعالية التي كالعاصفة تَهبُّ وكبراءة الأطفال الْجميلين تَخبو؟
وطالَما قررت الغياب، فاذهب وأنت تعلم بأن دماغك الذي انفجر هو بعضٌ من ذاكرتِنا الثقافية اللبنانية، وبأنّك تتركنا، يا رياض، ونَحن مبتورو الذاكرة.