28 آذار 2002
– 245 –
كان السفير اللبناني (1973) يشرح الْمشروع بكل حَماسة لرئيس الْجمهورية ، ويتبسط في أهَميته التاريْخية والْحضارية . وبعد صمتٍ ظنَّه السفير مقدمة لرفض الْمشروع ، وقف الرئيس وقال لضيفه :”تفضل معي”. واصطحبه الى نافذة مكتبه في القصر وقا ل : “نضعه هنا ، في هذه البا حة ، قبالة القصر الْجمهوري”.
السفير هو جوزف نفاع . الرئيس هو إيتشيفيريَّا . والْمشروع هو تِمثا ل “قدموس الْمعلّم الأول”.
وبالفعل ، في 9 آب 1975، أزاح الرئيس الستارة عن تِمثا ل ضخم قدَّمتْه الْجالية اللبنانية الى الْمكسيك عربون وفاء على حسن استقبالِها الْمهاجرين اللبنانيين إليها . ومنذئذ ، والتمثا ل منتصب في العاصمة مكسيكو ، يتأمل فيه الْمواطنون والسيَّاح رجلاً وامرأة وحولَهما عدد من الشاخصين إليهما ، على قاعدة التمثا ل بالإسبانية كلمة : “الْمعلّم” (بـحرف كبير) وتَحتها عبارة : “قدموس وشقيقته أوروب ، ابنا أشنار ملك صور وصيدا في لبنان ، يعلّمان الأبْجدية الفينيقية الأولى في العالَم – القرن السابع عشر ق . م .”، وتَحت هذه العبارة شطر من بيت : “وطني الْحُبُّ ليس في الْحُبّ حقْدُ” وتَحته بيت كامل : “لا تَقُل أُمَّتِي وتسطُو بدنيا … نَحنُ جارٌ للعالَميْن وأهلُ” وتَحتَهُما التوقيع “سعيد عقل”.
وللمناسبة أصدرت الْمكسيك طابعاً تذكارياً في مليون نسخة ، عليه عبارة : “فينيقيا عَلَّمَت العالَم الأبْجدية”.
بعدها بأيّام (3 أيلول 1975) كان سفير لبنان في الأمم الْمتحدة إدوار غُرّة يكتب في تقريره الى الْخارجية اللبنانية : “ما شاهدتُه ذاك اليوم التاريْخي في مكسيكو ، من أَهَم الإنْجازات الإيْجابية التي تَحقَّقَت في تاريْخ علاقة لبنان بالعالَم الْمعاصر”.
وفي الدورة السنوية الرابعة والأربعيْن لِلأُونسكو (جنيف 5 تشرين الأول 1994) أعلن الْمدير العام يومها فدريكو مايور 5 تشرين الأول من كل عام “اليوم العالَمي للْمعلّم”، وأنه يتبنّى تِمثال قدموس في مكسيكو، وطلب من وزراء تربية جَميع الدول (185) الأعضاء في الأونسكو أن يستحصلوا على مُجَسَّم التمثال ويقيموا نسخة مكبَّرة عنه في كل عاصمة من عواصم العالَم .
أول عاصمة وافقت : باريس ، في رسالة جوابية (1995) من رئيس بلديتها “تيبيري” الى مؤسسة قدموس (مكسيكو/واشنطن) جاء فيها أن “باريس تتشرف بوضع هذا التمثال في باحة تَملكها البلدية أمام مبنى الأونسكو”، وقدَّم رئيس البلدية مدفعاً ، ورئيس الْمكسيك مدفعاً ، ورئيس الْجمهورية في لبنان مدفعاً ، لصبّ التمثا ل البرونزي من حديد الْمدافع رمزَ أن “الثقافة والتربية أبقى من الْحروب”.
والْمباحثات جارية حالياً ليقوم التمثا ل نفسه أمام مبنى الأمم الْمتحدة في نيويورك .
مرة أُخرى : لبنان الْحضارة يأْتي من عمق التاريْخ ليثبت أنه سطر النور الأول على أول صفحة من التاريخ .
لبنان… لبنان… الْمجدُ لـك !