218: صنين وأدونيس وسمير عطالله

السبت 15 أيلول 2001
– 218 –
كنت موجَعاً ألا أحضر مهرجان ذكرى أخي جورج غانم في بسكتنا، لأسمع ما يقوله فيه الأوفياء. لكن ما خفف من غصتي، دعوة صديقي الرئيس الدكتور غالب غانم إلى جلسة ظهر اليوم نفسه (السبت الماضي) في أعلى صنين مع أدونيس وسمير عطالله، وكان وقت طويل مرّ لم أكن التقيت الاثنين معاً.
وقفة أولى عند تمثال ميخائيل نعيمة في الشخروب (بإزميل المبدع عساف عساف وشقيقه منصور وعارف) ثمّ إلى قمّة في صنين فوق وادي الدلب (قال لي غالب أن والده عبدالله غانم كان يصطاف فيه ثم يعود ليمضي شتاءه في بسكنتا). وفي غفلة عجلى، رأيت أدونيس منخطفاً إلى ذاك الوادي المهيب، يعبث الهواء بشعره الهاشل، وعيناه غائمتان إلى البعيد. ولم يكن سمير عطالله (الشاعر حدسياً) بأقل منه انسحاراً أمام هذا المشهد اللبناني كثيراً.
بعدها إلى مقهى “نبع النمل” ولبنانية استقبال صاحبه كنعان خوري (دكتور في الفلسفة حديثاً، وعالي الثقافة) بدليل إسراعه في الترحيب بأدونيس وسمير، مقدّراً للدكتور غالب اصطحابهما إلى مقهاه.
وحول مائدة عامرة بأطايب لبنان من صنين وبسكنتا، تتالت الذكريات بين أدونيس وسمير، ذكريات الستينات والسبعينات وأيام البركة، ومجلة “شعر” ويوسف الخال وسائر الشلّة. وروى أدونيس كيف كان يصعد إلى صنين كل فترة، برفقة يوسف الخال، يمضيان أياماً وميضة في أحد البيوت، ويختلفون خلالها أحياناً إلى ميخائيل نعيمة في بسكنتاه أو شخروبه، وتكون لهم معاً جلسات شعر وأدب ونقاشات لا تزال حية في بال أدونيس.
وبمقدار ما أفرحنا خبر أن أدونيس، بعد مغادرته لبنان، سيزور إيطاليا لأيام، ثم يغادر إلى برلين ليمضي سنة كاملة ضيفاً على “مؤسسة الدراسات المتقدّمة” فيها، ما سوى ليكتب وينتج، غير مطلوب منه للمؤسسة شيء في المقابل سوى إنتاج كتاباته الخاصة (وهذه قمة التكريم لشاعر أن تتهيأ له مؤسسة تحضنه سنة كاملة من عمره ولا تطلب منه سوى أن ينتج)، صعقنا خبر في المقابل ختم به أدونيس حديثه عن برلين، هو أن الجامعة اللبنانية “استغنت عن خدماته” (كي لا نقول “طردته”) بعد تمضيته 20 عاماً في ملاكها، للسبب الوحيد أنه لم يداوم فيها بعدما عاد الأساتذة إلى المداومة في الكليات. وحين راجع في الأمر، وأفصح أنه لم يعرف بذلك ولم يشعره أحد، وإلا لكان جاء يعطي ما عليه من دروس ومحاضرات، جاءه الجواب حازماً : “الأمر صدر. لا تعويض. لا عودة إلى الجامعة. ولا مراجعة إلا لدى المراجع العليا”. ولدى مراجعته واحداً من “المراجع العليا”، تنبه للأمر وقال له ببساطة: “أذكر أن اسم علي أحمد سعيد مرّ أمامي بين أساتذة لا يداومون، لكنني لم أنتبه إلى أنه الاسم الأصلي للشاعر أدونيس”.
وكانت هذه واحدة من مرارات ما حدّث به أدونيس، إلى ما واجهه من صعوبات لدى إصداره “مواقف” بميزانيات الأصدقاء، إلى مواجهته تهمة العمالة والقبض من “المنظمة العالمية لحرية الثقافة” (كما اتهم توفيق صايغ في “حوار”). وقد أن أودعه ليعود ليلاً إلى ضيعته قصّابين (قضاء جبلة) وهو يزورها دورياً، قرأت في تغضنات وجهه السبعيني أصداء جوائز عالمية كبرى قطفها ولا يزال، بإزاء “قرار طرد” كان يترصّده في… بلد الإشعاع والنور.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*