السبت 19 أيار 2001
-202-
لم أكن في صحراء جرداء نائية، ولا في أطلال بعيدة مهجورة، كنت في صور. صور مخرتنا منذ أول التاريخ. صور عنواننا الأول في الحضارة.
ومع ذلك كنت في صحراء وفي قفر وفي أطلال. العشب الأخضر ناشب بين الحجارة. العشب اليابس متكدس أكواماً تتخللها قمامة ونفايات ورماد حرائق صغيرة أشعلها زوار أو سياح.
انتقل إلى موقع آخر، تحت شجرة فيكوس وارفة، جلس حارس. استفسرت منه، فقال في لهجة هي بين الضجر واللامبالاة: “هذه هناك الكنيسة الصليبية، يمتد منها الشارع الروماني إلى هنا ثم ينعطف تحت المدرسة الجعفرية إلى يمينك ويكمل حتى العين هنالك وصولاً إلى قوس النصر في القلعة البرية. في آخر هذا الشارع الروماني أمامك، كانت السفن في القديم تفرغ المرمر الإيطالي والغرانيت المصري، وهي حجارة هذه الأعمدة التي تراها. كانت مطمورة تحت التراب وكانت بستان ليمون عام 1972 رفعناها وأوقفناها ونظفنا حمامات الصونا وخزانات المياه. أنا هنا منذ تلك الأيام، وهذه الشجرة فوقنا عمرها 40 سنة. أنا شهدت زراعتها وما زلت أتظلل بها كل يوم”.
يتوقف الحارس. ليس مطلوباً منه أكثر. هو ليس دليلاً سياحياً وممنوع أن يكون. وليس في الموقع دليل. أنتقل إلى القلعة البرية. إلى قوس النصر. إلى النحت المذهل من جمال وبقايا أعمدة ونواويس من أجمل ما في العصور القديمة.
من يشرح؟ من يرشد الزوار والسياح؟ من يرفع الزبائل والأعشاب هنا هناك وهنالك فلا يكون الموقع قفراً؟ ما نفع أن تكون صور على لائحة المواقع الأثرية في العالم، وتهتم بها كثيراً منظمة الأونيسكو، وتقدم جمعية دولية لحماية آثار صور، ونحن أهل البيت لا نستطيع حماية الموقع من الإهمال والزبائل والأعشاب الطفيلية؟
ماذا تستطيع المديرية العامة للآثار وهي بدون ملاك وبدون موازنة تتيح لها التحرك؟ وكيف تتحرك بدون جهاز بشري ينقصها بشكل فاجع لأن هيكلية المديرية تتبع نظام التوظيف يتبع الروتين الإداري والروتين الإداري هو السرطان الصامت الجاثم على صدر انطلاق الدولة والطامحين فيها لجعلها دولة عصرية؟
لماذا لا تتحرك البلدية فتساعد م
يرية الآثار في تنظيف الموقع على الأقل؟ لماذا لا تكون في المواقع صيانة مستمرة فلا يشعر السائح الأجنبي أنه في موقع مهجور؟ أو إشارات مكتوبة تشير إلى المعلومات وترشد السياح؟ أو منشورات يحملها معه السائح حين يغادر فيبقى في عينيه مشهد غير الزبائل والقمامة؟ أو إدارة خاصة تتابع وتتولى التنسيق مع الفعاليات المحلية والأطراف المركزية للمساعدة والتعاون؟ ما الذي تستطيعه مديرية الآثار بملاكها الضئيل الفقير؟ وما الذي تستطيعه وزارة السياحة بموازنتها الضحلة؟
واضعو “فلسفة الموازنة”، هل هم واعون أن سياحتنا وآثار بلادنا هي مناجم ثروتنا؟
دولتنا التي تحارب الهدر والفائض، فتلع أن صناعة السياحة والآثار في لبنان، إذا أحسنا تصنيعها، ذات مردود مادي ومعنة كبير، يمن الركون فيه إلى تعويض بعض من ذاك الهدر، وتشغيل جزء من ذلك الفائض. فهل تبادر؟