الخميس 27 نيسان 2000
– 145 –
عام 1968 كتب سعيد عقل في زاويته “كلمات” (“لسان الحال”): “لم يحكم لبنان بعد رئيس كتب كتاباً”.
بعدها بعشر سنين (1978)، وقف الرئيس الياس سركيس يلقي كلمة تقدير في حضرة ميخائيل نعيمة الجالس على كرسيه. وفي اليوم التالي صدرت “النهار” بالصورة وتحتها عبارتها الشهيرة: “الدولة تقف للأدب”.
هذه العلاقة بين الحاكم والأديب، يكرسها سعيد عقل برفضه زيارة الحاكم، وبرفضه حضور احتفال يرعاه حاكم. وهو بذلك يكرّس ما قاله فيه الشيخ عبدالله العلايلي من أن “سعيد عقل رئيس جمهورية عبقر”، ويكرّس قوله الدائم بأنه “الحاكم الفعلي للبنان اللبناني”، هو الذي يلتف حوله كل لبنان، وهو الذي يعرف عن لبنان ما لو بلغ أسماع جميع اللبنانيين لكان لبنان اليوم لبناناًآخر في حجم عطاءاته للحضارة والإنسانية.
طوال ثلاثين عاماً، استقبل الرئيس شارل حلو في الكسليك العشرات من الحكّام والوزراء والنوّاب، والمئات من “بيت بو سياسة”. ومع ذلك، لم يكتب عن أحد منهم سطراً واحداً. حتى إذا زاره سعيد عقل، كتب عنه مقالاً كاملاً. وقبل أن يكتب المقال، أخبر زوّاره وأصدقاءه بابتهاج عن تلك الزيارة وما كان لها من فعل في قلبه الكبير، هو الذي، بعد انتهاء ولايته، عاد فكتب أكثر من كتاب، وبفرنسية يباهي بها أهلها.
وجاء مقال الرئيس حلو عن سعيد عقل (“النهار”- الجمعة 21 نيسان الجاري) وفياً عالي النبل. قال الرئيس حلو: “دخل القاعة كأنه الأمير: قامته مثل الأعمدة، محبته مثل القديسين، صوته طالع من وهج الأساطير، فقبلَّته كأحب الأصدقاء”. وقال الرئيس حلو: “غيره يعيش الوهم. هو يعيش الحلم. كلماته تزرع فيك الكرامة والمجد والعنفوان، وتضيء لك طريق لبنان العظمة”. وقال الرئيس حلو: “أشعر أنني أتمسك بكلماته”.
وكان الرئيس حلو، يوم نيلي جائزة سعيد عقل (5 نيسان الجاري) قد بعث إليّ برسالة تهنئة جاء فيها: “أننا نقدر دائماً لشاعرنا الكبير سعيد عقل أحلامه اللبنانية العالية، وتطلعاته نحو لبنان أسمى وأعظم، هو الذي يعرف لبنان في تاريخه وعظماته. فشكراً له على بادرته النبيلة في تشجيع المبدعين اللبنانيين”.
لست أدري ما الذي يبقى (سياسياً) من عهد شارل حلو. لكنني أعرف أن كلامه هذا في سعيد عقل، سيظلّ يقال في رأس ما يحفظ الناس عن هذا الرئيس الذي قال في شاعر من بلاده ما لم يقله في حياته عن أحد.
فشكراً للحبيب سهيل مطر على ما زرعه هو وقطفناه جميعاً، وشكراً للرئيس أمين الحافظ على تعليقه النبيل (“النهار”- السبت 22 نيسان الجاري) وكلامه في الرئيس حلو، ونظرته (كحاكم هو الآخر) إلى سعيد عقل الشاعر.
قلائل يعرفون من كانوا حكاماً أيام غوتِه ودانْتِه وشكسبير وراسين والمتنبي.
الرئيس شارل حلو، في كلامه على سعيد عقل، دخل مشرقاً، بعد اليوم، إلى ذاكرة جماعية لن تخون.