الاثنين 24كانون الثاني 2000
– 132 –
يقال إن لبنان، إذا قسنا مساحته بعدد سكانه، هو صاحب أعلى نسبة في العالم استعمالاً لجهاز الخيلوي. ونفهم أن يكون بلغ هذه النسبة في فترة كانت خلالها الخطوط الهاتفية العادية خارجة من وضعها السابق الذي تستحي به القرون الوسطى. ونفهم أن يكون اللبناني من أكثر الناس في العالم حباً للتشاوف والمظاهر، وجاء هذا الخليوي يتمم عليه نعمة الـ”شو-أوف” حتى يصبح الجهاز رديفاً لعلاقة المفاتيح، وموجوداً مع الخادمة والسائق وجميع الأولاد يستعملونه في ملعب المدرسة وفي الصف والمقهى وعلى الطريق بكل صلف ووقاحة وثقل دم.
كل هذا، مهيأون أن نفهمه. لكنَّ ما لا نفهمه، أن يصبح الخليوي مصدر إزعاج وإحراج، حتى أصبح يخترق كل حميميات الإنسان عند وجوده في اجتماع أو مجلس أو مكان، خاص أو رسمي، أو عشاء أو غداء أو سهرة، ويترك جهازه مفتوحاً للطوارئ. والمزعج فيه لا أن يطلبك أحد، بل أن يطلبك ويبدأ فوراً بكلامه وحديثه ومحاضراته، من دون أن يسألك إن كان عندك وقت للإصغاء إليه.
والأزعج م نهذا، أن يلغي الخليوي كل وقت للعمل والعطلة، والحرية الشخصية في التنقل والاستراحة. فإذا به يخترق وقت العمل ووقت العطلة ووقت الحرية الشخصية ووقت الاستراحة. وإذا صودف أن أقفلت جهازك تأففاً وهرباً من إزعاجات النا، ينقلب ذلك عليك لوماً وعتباً واستفسارات (بعضها “خبيث”) أن: “لماذا تقفل خطك؟ وكيف يمكن أن يطالك الناس وخطك مقفل؟”.
ويلومك البعض إذا تركته في السيارة مثلاً، أو في مكان بعيد عنك حين أنت في اجتماع، حتى تعود إليه فتعرف من اتصل في غيابك. كما يلومك البعض الآخر إذا رأيت رقمه على الشاشة ولم تعاود الاتصال به. وتضاف إلى جميع هذه الإزعاجات ظاهرة “الوحدات” التي يعتمدها البعض كي يتصلوا بك اتصالاً صامتاً لمجرد أن يظهر رقمهم على شاشتك، ثم يقفلون خطهم في انتظار معاودتك الاتصال بهم، فلا اتقص عندهم “الوحدات”.
ويزيد من هذا الإزعاج، اعتقاد البعض أنهم “ضبطوك” بالاتصال، حين خطك العادي يعصمك عن الإجابة على اتصالات “ثقيلي الدم” فتتولى أمرهم سكرتيرتك أو من ينوب عنك، ليريحك من الوقوع في فخ من يضيعون وقتك بمواضيع أنت في غنى عنها، وأحاديث لا وقت لديك، لحظتها، في التحدث بها، أو لست على استعداد لدفع قيمة المخابرة الدولية حين تكون في أوروبا مثلاً أو خارج لبنان وحولت جهازك إلى الرمز الدولي للحاجات القصوى.
أبسط لياقات الهاتف، وخاصة- خاصة الخليوي- أن يسألك محدثك حين يهاتفك: “هل لديك بعض الوقت لتسمعني؟” أو “هل أستطيع أن أحدثك بموضوع قصير؟” أو “هل أنت قادر أن تسمعني الآن؟”.
أما أن “يجتاحك” ثقيل دم، أو وقح، فيدخل على وقتك الخاص، ويظن أنه “تذاكى” عليك ولن تستطيع أن تهرب منه، فهذا أمر بات صداعاً حقيقياً، ونقل خدمة الخليوي من جهاز عصري عملي إلى … رفيق ثقيل ووقح.