الجمعة 7 كانون الثاني 2000
– 130 – واشنطن
في لقاء مع أطباء العيون قبل أيام، قال وزير الصحة الدكتور كرم كرم: “إذا كان هذا القرن الجديد موسوماً بالنظر إلى المستقبل عبر أحدث ثورات العلم والتكنولوجيا، فليس أفضل من التمتع بنعمة النظر يمنحنا إياها من غابوا عن هذا العالم، وأوصوا أن تظل عيونهم مضيئة في حدقات الذين سيرثونها فلا يظلون محرومين نعمة النظر”. وفي مكان آخر، وبعد كلامه على بنك العيون في لبنان (المستشفى الحكومي- الكرنتينا) قال الوزير الطبيب: “إذا كان الله منحنا نعمة البصر، فليس أغلى على قلب الله من أن نعيد هذه النعمة إلى من يحتاجها بأن نمنحها، في وصيتنا قبل الوفاة، إلى السوى حين نصبح في الغياب الذي لا يعوزه بصر لمشاهدة وجه الله”. وأوصى الوزير كرم بأن تسهم وسائل الإعلام في نشر وعي المواطنين بتشجيعهم، عندما يكتبون وصيتهم، على التوصية بوهب عيونهم إلى السوى بعد وفاتهم.
وهذه بادرة نبيلة يجب أن تتعمم على كل الأعضاء. فأكثر من مرة طالعتنا الصحافة اللبناية بأخبرا زرع كبد أو كلية أو ذراع أو قلب، لمريض كان يحتاجها وكاد يقع في عتمة اليأس النهائي، حتى جاءته عملية الزرع فأعادته إلى الحياة من جديد. ومنذ فترة غير بعيدة، طالعتنا “النهار” بخبر زرع أعضاء من رجل واحد في ستة أشخاص بعد وفاته. فما كان أكبره وهو يغيب عن هذه الدنيا موصياً بوهب أعضائه السليمة إلى السوى بعد وفاته، فإذا بستة يتمتعون بنعمة استبدال أعضائهم بأعضاء من أتاح لهم في وصيته، بعد دخوله في الظلمة الأبدية، أن يذوقوا نعمة النور في الباقي من عمرهم على الأرض.
في الغرب، الأمر طبيعي مرتين: أولى بكتابة الوصية في أي سن من العمر (ابني، مثلاً، في الولايات المتحدة، كتبها وهو اليوم ما زال في السابعة والعشرين)، والأخرى أن يذكر الغربي في وصيته أنه يهب السليم من أعضائه، بعد وفاته، لمن يحتاجها، فيكون بذلك أنقذ أخاً له (وربما أكثر) في البشرية التي لا تزال حتى اليوم، رغم تقدم التكنولوجيا الصارخ، في حاجة إلى إنسانية الإنسان.
نحن، في لبنان، فلنمتلك شجاعتنا ونقم بهذه البادرة، كي لا نكون أنانيين في حياتنا وبعد مماتنا. ولنذكر في وصيتنا أن أعضاءنا التي تبقى سليمة بعد ساعات محددة من الوفاة، نهبها لمن يحتاجها، فنعرف سلفاً أننا نغيب عن هذه الدنيا، تاركين لسوانا أن يكمل مشواره في الدنيا بقلب لنا سليم أو عين أو كبد أو ذراع أو كلية، أو ما يمكن العلم أن يفيد من جثة لنا لم تعد صالحة تحت التراب إلا طعاماً مجانياً للديدان، فيما يمكننا بأجزاء منها أن ننقذ أخوة لنا في البشرية.
قليلاً من الغيرية، أيها الإنسان في لبنان، وتنقذ أخاً لك أو أختاً، بعد أن تكون صرت في حيثما لن ينفعك إنقاذ.