119: سنديانة الشيخ الفاضل

الخميس 14 تشرين الأول 1999
– 119 –
في طريقي إلى كوكبا لم يكن في بالي سوى أنني ألبي دعوة الشيخ نسيب أبو غوش والدكتور مروان أبو لطيف لتمضية نهار في حضن البقاع، يرضي شوقي إلى اكتشاف كل بقعة من لبنان.
بوصولنا إلى كوكبا، لفتتني سنديانة هائلة. يشرح لي الصديق سلمان زين الدين: “هذه من أقدم وأكبر سنديانات لبنان، زرعها الأمير فخر الدين المعني الثاني”. نترجل. فإذا هما اثنتان هائلتان، جذعاهما من أكبر ما ترى عين، وأغصانهما تتشابكان في الفضاء تظللان مكاناً يعج بالزوار.
– “إنهم مؤمنون جاؤوا يتبركون من مزار الشيخ الفاضل”، بادرني الشيخ نسيب.
التفتّ مستفسراً، فبادرني رفيق الرحلة إلى كوكبا، الدكتور سامي مكرام: “إنه الشيخ الفاضل، أبو هلال محمد، من أعلام الدين والعلم والتقوى عند الدروز. ولد في قرية الشعيرة، هناك أمامك على هذه التلة، عام 987هـ/1579م. وانتقل إلى هنا، إلى كوكبا، حيث أمضى معظم حياته زاهداً متصوفاً يختلي ويتعبد، وتوفي هناك، في قرية عين عطا عام 1050هـ/1640م، وما زال مقامه فيها، مع أنه، لشدة تواضعه، أوصى بأن يدفن في حقل يحرث، كي لا يعرف له قبر”.
نتحفى: ندخل المزار الأول تحت السنديانة، فالمزار الآخر في قلب “صخرة كوكبا”. نخشع تهيباً في هذا المثلث الروحاني المشع (كوكبا، الشعيرة، عين عطا) في وادي التيم بين راشيا وحاصبيا.
يسترسل د. سامي مكارم في سيرة “الشيخ الفاضل”، مستعيناً بما كتبه هو عنه في “دائرة المعارف” عام 1959، ومستذكراً تحقيق المؤرخ عجاج نويهض في كتابه “التنوخي والشيخ الفاضل”.
على مأدية الشيخ نسيب، كنا وسط بقعة ساحرة الجمال، عند السفح الغربي من جبل الشيخ، قبالتنا المحيدثة وضهر الأحمر، وامتداداً من هناك جنوباً صغبين وبحيرة القرعون.
بعد الغداء، زيارة إلى عيحا التي دلني مضيفنا د. مروان أبو لطيف إلى تلة فوقها قائلاً: “هذه آخر بلدة من البقاع الشرقي. نحن هنا على الحدود”.
وتؤذن الشمس بالغروب، تختفي وراء الجيال المحيطة بنا، ويكون لا بد من العودة، بعد نهار تخيلته سياحياً لاستراحة، فإذا نافذة أخرى على لبنان المعالم والروحية والفكرية.
في طريق العودة من عيحا، رنوت إلى كوكبا، وبدت لي السنديانة التاريخية الكبرى تظلل المؤمنين عند المزار ذي القبة البيضاء، فتذكرت سنديانة أخرى في عنايا تناثرها المؤمنون تبركاً حتى اختفت من أمام صومعة اختلى فيها لبناني آخر زهداً وتعبداً: الأب شربل مخلوف.
وبين القديس شربل والشيخ الفاضل، تضيء على العالم “مساحة روحية” اسمها لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*