الخميس 1 تَموز 1999
– 105 –
يهدمون ونبني، يقصفون ونصمد، يحرقون ونعمّر، يهددون ونبقى، يرعبون ولا نخاف.
هذه هي الأعجوبة اللبنانية التي تقلق إسرائيل، لا عديدنا ولا عددنا، بل هذه النوعية التي يعرف أعداؤنا كم هي “كمية” في جودتها وفعاليتها. وبها، بها وحدها، نحن شعب قوي وقادر.
لم يمضِ أسبوع- أسبوع واحد- على آخر مجزرة إسرائيلية في سمائنا وعلى أرضنا، حتى عادت الكهرباء (تقنيناً ثم تعود كاملة) وعادت الجسور (ولو مؤقتة بانتظار بنائها).
وأكثر: لم تمضِ 24 ساعة على المجزرة، حتى كان العالم- العالم نفسه الذي نقل حريقنا وتابع ماساتنا- يتابع من شاشاته الصغيرة انتخاب ملكة جمال أوروبا من بيروت، بيروت نفسها التي لم تكن مضت ساعات بعد على اشتعالها ناراً وانطفائها نوراً ورعبها قصفاً تحت جنح الليل.
هذه هي الأعجوبة اللبنانية التي تقلق أعداءنا، أكثر مما يقلقهم قرار دولة لبنان أنتذهب إلى لاهاي (محكمة العدل الدولية) أو إلى نيويورك (مجلس الأمن)، وصرخة الرئيس بري في دمشق (عن حق جريح) بأن “لبنان دفع الثمن عن كل العرب، فعلى العرب أن يتحملوا مسؤولياتهم”، وأكثر من جلسات “تفاهم نيسان” وما ينجم عنها (إذا نجم)، وتصريح رئيس مجلس الأمن الذي لم يصدر عنه إلا “القلق العميق” والدعوة إلى “وقف النزاعات وضبط النفس واحترام قرارات مجلس الأمن”.
الشعب اللبناني أقوى من كل هذا وهذه، والكلام الذي ما انفك الرئيس لحود يردده منذ أيام، يختصر الكثير لكنه لا يشير إلاّ إلى ضوء واحد: قوة شعبنا وصموده في وجه المؤامرات.
سبع عشرة سنة من نيران الأقربين والأبعدين: وشعبنا قوي وصامد.
ربع قرن من احتلالات الجنوب لم يمنع أهلنا هناك من مواصلة حياتهم اليومية بين قذيفة وقذيفة، بين قصف وقصف، لا المواسم بارت ولا جوري قرميدهم هاجر من القرميد.
بهذا نحن وطن كبير، ولو كانت دولتنا صغيرة. والكثيرون من “بيت بو سياسة” فليصححوا قاموسهم حين يتباكون أمام كاميرات التلفزيون على “الوطن الصغير”.
لبنان ليس وطناً صغيراً. لبنان دولة صغيرة. الدولة لا تحكم إلا على مساحة الكايلومترات المربعة من أرضها المعترف بها دولياً. أما الوطن فبشعبه المقيم والمنتشر أبعد من حدود أرضه.
هذا ليس كلاماً استعراضياً أو شوفينياً. هذه حقيقة تثبتها الوقائع كل يوم. دولة صغيرة نحن؟ صحيح.
لكننا وطن كبير بشعبه الذي يدهمومه كل يوم بأشد أهوال الموت، ولا يموت.