الاثنين 7 حزيران 1999
– 101 –
أكون في باريس، أو نيويورك، أو واشنطن. لا سيارة معي طبعاً. ولا موجب يلح عليّ أن آخذ تاكسي. ولا “سيارة أجرة” هناك بالراكب. فلا أجد حرجاً (بل من الطبيعي جداً) أن أستقلّ الباص أنتقل فيه وفق خارطة تكون معي، ويسير الباص بِموجبها وفق توقيت لا يُخطئ.
أعود إلى لبنان (اليوم بالذات بعدما أعادت الدولة تسيير باصاتها، وبعدما أصبحت الباصات الخاصة المتوسطة الحجم تملأ طرقاتنا)، فما الذي يمنعني من ركوب الباص، خاصة حين تكون وجهتي المدينة المكتظة أصلاً بالسيارات وزحمة السير الخانقة؟
بلى… قبل ايام، أخذت الباص للتجول في المدينة. أحببت أن أقوم بالتجربة في بلادي، بعدما هي في الخارج ظاهرة لا تستحق التوقف عندها لأنها بديهية. ولم أجد حرجاً في ذلك. ووصلت.
فما الذي يمنعنا من الاستعانة (على الأقل: الاستعانة فقط) بالباص لقضاء تنقلاتنا في قلب المدينة، عوض أن ننحشر ساعات طويلة في الشوارع المكتظة، ونبحث عن موقف يكون هو الآخر مكتضظاً، فنوفر زحمة السير ونوفر ضياع الوقت ونوفر زيادة محروقات تزيد تلوثاً أجواء مدينتنا؟
ما المانع؟ أهو عيب أن نركب الباص؟ ولماذا نفعل ذلك في الخارج؟ ألأننا في الخارج لا أحد يعرفنا؟ أمن الضروري أن يبلغ فينا الترف والبطر والتشاوف هذا الحد من “المنفوقية” الطاووسية؟
ومن قال أن الباص لطبقة واحدة من الناس: طبقة المعوزين والعمال؟
طبعاً، نفهم أن الأمر يحتاج من الدولة تنظيماً أكثر: وضع محطات ثابتة مرتبة، وعليها خرائط تشير إلى خطوط الباصات التي تتوقف على كل محطة، وتوزيع خرائط على المواطنين لتبيان كل خط وفق أرقام باصاته، وتوقيت وقوف الباص على كل محطة، وتوقيت إقلاعه، وتوقيت وصوله إلى المحطة التالية، حتى يعرف المواطن تقريبياً كم سيستغرق وقت انتقاله بالباص إلى حيث يرغب أن يذهب.
وكل هذا يمكن أن تنفذه الدولة- طالما هي تبحث عن موارد من المواطنين غير الضرائب المباشرة- وهو مورد شرعي سائغ، يوفر على مناخنا التلوث، وعلى طرقاتنا زحمة السير، وعلى جيوبنا مصروف المحروقات. وعند تنفيذ الدولة كل ذلك، يصبح النقل المشترك في كل لبنان (مدناً وقرى، ساحلاً وجبالاً ومناطق نائية) وسيلة لا يخجل بها المواطنون “الطاووسيون”، ويستخدمها الجميع بشكل بديهي، ولا يعود المواطن يرى عيباً أن يراه الناس راكباً… الباص.
واحدة من كبرى مصائبنا في لبنان. هذه الطاووسية الجوفاء.