الخميس 4 آذار 1999
– 88 –
شكراً للسيدة مهى الخليل الشلبي على كتابها الرائع “تحليل العلاقات بين الغرب والشرق عبر الرحالة إلى صور من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر”، وهو نص الأطروحة القيمة التي قدّمتها في المعهد التطبيقي للدراسات العليا في باريس (السوربون).
هذا أيضاً (إلى أهمية النص الأكاديمية ورفده برسوم ولوحات توثيقية) نوع آخر من المقاومة.
مع تحية الإجلال الصامتة والناطقة لكلّ مقاوم في جنوبنا المقدّس، ومع اقتدائنا بسيرة كلّ مقاوم شهيد على أرض الجنوب، ومع اعتزازنا بطلاّبنا الذين كسروا هالة الشريط الشائك في أرنون الأسطورة، وفضحوا هول “العدو الذي لا يقهر”، ثَمّة مقاومة لا تقل عظمة عن كلّ هذا، هي المقاومة الحضارية التراثية.
“إعرف عدوّك”، تذكّر المقولة؟ بل “إعرف وطنك”، يجب أن تكون.
وها نحن مدعوون، كلّ يوم، إلى أن نعرف وطننا أكثر. فعدا ما يصدر عنه من أقلام لبنانية عريقة موثقة، يكتب العارفون والخبراء في العالم عن تاريخ لنا دافع ساطع يحتذى به في رفعة رأس.
آخر الصادر: “الفينيقيّون جذور لبنان”، كتاب مهم صدر في باريس عن منشورات غاليمار بقلم فرنسواز بريكيل شاتونيه وإريك غوبيل، تتصدّره هذه العبارة السيف من المؤرّخ بول موران: “ذات فترة، كانت صيدا وصور كلّ تاريخ العالم”.
فلذة من هذا التاريخ الذي كان يوماً “كلّ تاريخ العالم”، تستعيده مهى الخليل الشلبي في نشاطها المذهل بين باريس وبيروت، بين الأونيسكو وصور، بين كبار العارفين الثقة وكبار خبراء الآثار والتاريخ، من قرار مجلس الأمن (29/12/1979) باعتبار صور “جزءاً من التراث الإنساني العالمي”، إلى الجمعية الدولية للحفاظ على صور (5/5/1980) إلى توقيع الدولة اللبنانية اتفاق التراث العالمي (1983) إنقاذاً لصور من القصف الإسرائيلي، إلى إطلاق الحملة الدولية قبل عام تماماً (3/3/1998)، إلى الجمعية الدولية للمحافظة على صور (فرع لبنان)، إلى ما قامت به وتقوم من معارض وندوات ومحاضرات وورش عمل ولقاءات وحلقات دراسية واحتفالات محلية وعالمية.
ويجيء اليوم كتابها عن صور تتويجاً أكاديمياً لنشاطها الميداني ولؤلؤة أخرى على جبينها العالي.
هذا ليس مقالاً نقدياً. التاريخ ليس مهنتي. هذه تحيّة إلى سيدة لبنانية نبيلة جعلت مدينتها قضية عمرها ونشاطها ودارت بها على العالم.
وطوبى لصور مترسلة لها من وزن مهى الخليل الشلبي.