الخميس 25 شباط 1999
– 87 –
نفهم أن يكون الإعلان عصب الإعلام المرئي والمسموع.
ونفهم أن “تزدحم” الإعلانات في الإذاعات والتلفزيونات، بحسب المواسم، حتّى “تنحشر” بينها البرامج فتصبح الوسيلة الإعلامية “مطية” للإعلانات، وتجعل ساعات بثّها مجموعة إعلانات متلاحقة “تتخلّلها” برامج. وهذا عذر قد لا يكون مريحاً للمتلقي لكنه مريح للإدارة، وهذا حقها.
ونفهم أن تلبّي الوسيلة الإعلامية طلبات المعلنين في اختيار التوقيت لتكثيف أعلاناتهم.
ولكن ما لا نفهمه (ولا علاقة للوسيلة الإعلامية به، واللوم المباشر يقع على شركة الإعلان إنّما يحظى بموافقة المعلن): أن يصدر الإعلان حاملاً مطالع موسيقية أو جملة موسيقية كاملة من لحن معروف (بتسجيله الأصلي) أو أغنية معروفة (بصوت صاحبها أو صاحبتها).
فكيف يمكن المتلقي أن ينتبه (“ينتبه”، وهو هذا ما يرغبه المعلن) إلى اللحن فينساق معه، ثمّ ينقطع “الانسياق” فجأة ليتحوّل الباقي إلى إعلان مباشر لسلعة تجارية؟ وكيف “مبدع” الإعلان يسمح لنسفه باستعارة لحن معروف ليلفت الانتباه ثمّ يحوّله للإعلان عن سلعته التي قد تكون حذاءً أو لباساً داخلياً أو محلاً تجارياً أو أي نتاج تجاري آخر مهما كان نوعه؟
رئيس جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى (الزميل الياس ناصر) أجابني لدى سؤالي أن المعنيين يدفعون لـ”الساسيم” حقوق النشر العلني، ولا شائبة قانونية عليهم من هذه الناحية.
ولكن الأمر لم يعد “قانونياً” بل بات “أخلاقياً” في التعدّي على لحن معروف وركوبه مطية للوصول إلى الإعلان عن سلعة تجارية (أياً يكن مستواها).
والمبلغ الذي ذكره لي الياس ناصر، يكاد يعادل قيمة ما يدفعه المعلن لملحن لبناني يكلّفه بوضع لحن لأعلانه. وعندنا في لبنان ملحّنون وضعوا ألحاناً إعلامية جميلة سَرَتْ في الناس والتقطت أسماعهم، حتّى بات اللحن وحده، لو أذيع بدون كلام، يأخذ المتلقي إلى السلعة التجارية.
فلماذا لا يَعمد المعلنون إلى تكليف فنانين لبنانيين وضع ألحان إعلانات خاصّة بهم، عوض “السطو” على لحن من عبدالوهاب أو الأخوين رحباني، بحجّة أنهم يدفعون الحقوق لـ”الساسيم”؟
نفهم فنياً أن يحوّل ملحّن لحنه من إعلان إلى أغنية، وهذا حقّه. ولكن لا نفهم أخلاقياً أن يستعمل المعلن عملاً لملحّن فيحوّله إلى إعلان، بحجّة أن ليس في ذلك مخالفة قانونية.
كما لا نفهم السكوت، حتّى الآن، على مهزلة هذا البازار.