الخميس 28 كانون الثاني 1999
– 83 –
يصلون مغادرين. يأتون ذاهبين. يجيئون عائدين.
هذه حال عدد من صبايانا والشباب دخلوا حديثاً ميدان الصحافة والإعلام، ويرسلهم المسؤولون (الثقافيون، كي نبقى في حقلنا) لتغطية حدث ثقافي.
قد يكونون معذورين حين يكلّفهم المسؤول تغطية أكثر من حدث في الوقت نفسه أو في النهار نفسه، لكن هذا الأمر بات ينسحب في معظمه على كل تغطية يقومون بها.
يصلون (أحياناً متأخرين) فيسألون فوراً: “هل الكلمات مطبوعة”؟ وهذا طبيعي وشرعي كي لا يكتبهم المحاضر أو المتداخل على المنبر بأن يلحقوه ويدوّنوا من ورائه عبارات من خطابه. لكن ما لا يعود طبيعياً أن يأخذوا الكلمات المطبوعة ويغادروا المكان فوراً معتبرين أنهم “غطّوا” الحدث، مكتفين بـ”طربوش” يكتبونه من بطاقة الدعوة ليضعوا “القارئ اللبيب” في جوّ الاحتفال، ثمّ فقرة فقرة من كل كلمة، وختاماً توقيعهم الذي يدمغ “التغطية” بالطابع الاحترافي المهني.
وغالباً ما يصر هؤلاء الأحباء على “لائحة جرد عام” بمعظم الحاضرين (لا ينسون تصديرها بـ”بيت بو سياسة”) مما يأخذ غالباً مساحة من التغطية على حساب فقرات من كلمات الخطباء.
وقد يتعذّر على بعضهم الحضور، فيكتفي بما ورد في “الوكالة الوطنية للإعلام” من تغطية، ويعيدون منها بعض صياغة، مكتفين من “الجهد الصحافي” بتوقيع أسمائهم في نهاية “التغطية”.
وقد يتعذّر على الجريدة أو المجلّة إرسال مصوّر، فيلجأ أحبابنا إلى الإلحاح في طلب صور من منظمي الاحتفال، استكمالاً لـ”التغطية” من الناحية “المهنية”.
هذا طبعاً لا ينسحب على الزملاء الذين، بكل رصانة، يحضرون الاحتفال كاملاً، ويدوّنون ملاحظات (خاصة وشخصية، غير الكلمات المطبوعة التي يتلقونها) فتأتي تغطيتهم “تغطية” بالمعنى الاحترافي المهني، مما يجعلهم مستحقين فعلاً توقيع إسمهم في نهابة النص، لا كـ”صندوق بريد” لما ورد من كلمات في الاحتفال، بل كموقف ورأي ونص نقدي (غير تغطوي فقط) مما عاينوه.
ربما لا يلام على التصرّف المتجددون حديثاً أو المتدرّبون الذي تخرّجوا ويزاولون المهنة، وفيهم مواهب متألّقة واعدة حقاً. لذلك نلفت الأصدقاء المسؤولين عن الصفحات والأقسام الثقافية في صحافتنا أو يتشدّدوا مع فريق عملهم، حتّى لا تأتي التغطيات مجرّد “بوسطجي” كلمات من مكان الاحتفال إلى الصحفية، بل تتضمّن موقفاً نقدياً قد يحتاج إليه كثيراًَ منظّمو الاحتفال.