الخميس 14 كانون الثاني 1999
– 81 –
لا يزال الاحتفال الثقافي عندنا محكوماً بشائبة شائنة: البدء على الوقت المحدَّد. وهذه يسببها اثنان: المتلقّي وصاحب الدعوة.
فالجمهور ما زال مأخوذاً بالمقولة المؤذية: “التوقيت على اللبناني”، أي أن الاحتفال لن يبدأ أبداً على الوقت المحدَّد في بطاقة الدعوة، وصاحب الدعوة يستمهل من حضروا على الوقت (أو قبيله) بانتظار أن يأتي حضور أكثر، لملء مقاعد أكثر من “أيها الجمهور الحبيب”.
والحاصل أن كَلا الطرفين مخطئ. وأكثر: مذنب. وأكثر أكثر: مسيء إلى الانضباطية.
فلماذا هذا “الجمهور الحبيب” يهرع إلى المسجد أو الكنيسة قبل أن يحين موعد الصلاة؟
ولماذا يهرع مسرعاً إلى صالة السينما قبل أن يبدأ الفيلم، أو إلى بعض صالات المسرح (بعض، قلت) قبل أن تبدأ المسرحية؟
ولماذا يهرع إلى الصف (أستاذاً كان أو تلميذاً أو طالباً) قبل أن “يدق الجرس” في المدرسة؟
ولماذا (حين يكون في الخارج) يهرع إلى صالة الكونشرتوات قبل إقفال أبوابها لتبدأ حفلة الموسيقى الكلاسيكية بموعد صارم أين منه توقيت “بيغ بن”؟
ولماذا يهرع إلى البيت حتَّى “يلحق” نشرة الأخبار التفزيونية التي (إجمالاً) لا تتأخّر عن موعدها، أو “يستلحق” برنامجاً أو مسلسلاً يتابعه على الشاشة الصغيرة؟
ولماذا، هذا “الجمهور الحبيب” لا يرخي “خرعته” إلاّ على الاحتفالات الثقافية، فيصل متأخّراً عشر دقائق أو عشرين، واثقاً من أن الاحتفال لن يبدأ على الوقت المحدّد في البطاقة؟
ولماذا صاحب الدعوة لا يبدأ على الوقت الذي حدّده، أياً يكن عدد الحاضرين في القاعة، وأياً تكن الشخصيات “الرسمية” “ترعى” الاحتفال أو “واعدة” بحضوره؟
هذه الصرامة في البدء على الوقت، ليست إغفالاً لظروف الجمهور، بل دليل احترامه، ما دام دور الثقافة “تثقيف” الناس لا ذهنياً وحسب، ولا “ذوقياً” وحسب، بل انضباطاً ومناقبياً، فيتميز الشعب “المثقف المنضبط” عن الشعب الما زال غارقاً في “المعليشية” و”الخوشبوشية”.
هذه الآفة في مجتمعنا يجب أن تزول. وكان لا بدّ من أحد يبدأ بصرامة وحزم. نحن في “الأوديسيه” بدأنا بها، لا بدءاً على الوقت فحسب، بل إنهاء على الوقت المحدّد سلفاً في البطاقة.
إنها ظاهرة احترام الجمهور، وتعويده احترام العمل الثقافي. فلْتَتَعَمَّم.