الخميس 31 كانون الأول 1998
– 79 –
وسط ما يحوط بنا عالمياً من أخبار سوداء وتقارير قاتمة تصدر مرّة عن منظمة الأونيسكو ومرّة عن منظّمة “صحافيون بلا حدود” (باريس)، ومرّة عن الاتحاد الدولي للصحافيين (بروسكيل)، ومرّة عن منظّمة “الريشة الذهبية” (لندن)، ومرّة عن “لجنة الدفاع عن الصحافيين” (نيويورك)، ومرّات عن لجان ومنظمات صحافية دولية مختلفة تناضل من أجل حرية الكلمة، ووسط ما يحوط بنا عربياً من أخبار عن هذه العاصمة أو تلك، تجري فيها عمليات قمع للصحافة أو ضغط على الصحافيين، أو ملاحقات أو ترهيبات، طالعنا رئيس لبنان أمس الأوّل (الثلثاء) عند استقباله مجلس نقابة الصحافة، بقول واضح كالحقيقة، قاطع كالسيف: “لا لبنان دون حرية”… “إذا كان للمواطن حقّ التظاهر في الشارع تعبيراً عن رأيه، فكيف بحق أهل الصحافة في التعبير عن آرائهم بالقلم والكلمة”… “لن أضيق بأن يقول كل مواطن ما فيه يفكّر”.
هذا الكلام، من الرئيس العماد إميل لحود، لا نأخذه على ظاهره الرحب وحسب، بل على ما يخفي من وجه آخر للحاكم: وجه الذي يضمر ألا يقترف خطأ يستوجب هبوب عاصفة صحافية عليه باسم “الحرية”، أو قيام موجة إعلامية ضدّه باسم “الديموقراطية”.
معصوم هو؟ طبعاً لا. لكنه واع كلّ كلة، يقظان على كلّ خطوة، لا يتقدّم دون درس، ولا يقرّر دون قناعة تلي مشورة أهل الرأي من ذوي الثقة والحكمة والخبرة والدراية.
هذا “القلب المنفتح” كلام خطير من رئيس دولة حمل السوط وجاء يقلب الطاولة على فريسي الهيكل، غير هياب ولا قلق، هو الذي ليس في صفحات أيّامه سوى نقاء الحقيقة اللبنانية. لذلك يتجاسر ويعلن أنه “لا يخاف”، وأنه “لن يضيق صدره”. وذلك لا لمجرّد أنه أب للبنانيين “حنون” غفار رحوم، بل لأنه صارم على نفسه وتالياً يستطيع بكل صحوة ضمير أن يكون صارماً مع الآخرين. فبعد القسوة على الذات، تسهل القسوة على السوى.
والحاكم الذي يعلن أنه لا يخاف الصحافة، بات على الصحافة أن تخافه، لا بمعنى رهبته الواجفة، بل بمعنى أن ترهب خطأها هي معه، هو الذي وعد ألا يخطئ معها.
هذا الكلام العالي من رئيس لبنان في أوّل عهده، رسالة واضحة إلى حملة أقلامنا الصحافيين، أن يضاعفوا مسؤوليتهم في كلّ كلمة يكتبونها، وأن يراقبوا أنفسهم قبل أن يراقبوا الحاكم، وأن يتحوّلوا في قطاعهم من معلّقين تنظيريين إلى معلمين ميدانيين في ورشة سيّد العهد لبناء لبنان.