الخميس 17 كانون الأوّل 1998
– 77 –
اليوم تنال الحكومة الثقة، على بيان وزاريّ تضمّن تصوّرات لمعالجة معظم النقاط الساخنة التي يتوق المواطن اللبناني إلى معالجتها وحلولها، أملاً بحلحلة وضعه الاقتصادي.
البيان الوزاري، قرأناه في الصحف، بنداً بنداً، وانشرحنا (كمواطنين يتوقون إلى الانشراح في هذا الزمن الصعب) لِما ورد فيه من رؤية تقنية في حلّ المصاعب المالية والاقتصادية والمعيشية والخدماتية، وسائر ما يمكن أن يتضمنّه بيان وزاريّ موجز من بضع صفحات.
لكن ما يعنينا، نحن أهل الثقافة، أن الثقافة بقيت حتَّى الآن، في البيانات الرسمية والمطالعات والمداولات، خارج التداول، ولم ترد إلاّ تنويهاً بسيطاً هنا أو هناك، لنفهم من بعضها (أو لا نفهم) إن مصير وزارة الثقافة لا يزال مجهولاً: هل تؤول إلى الدمج؟ هل تبقى؟ هل تنفصل عنها مهمّات التعليم العالي فتنصرف كلياً إلى الورشة الثقافية الإبداعية؟ هل تتقزّم إلى مجرّد مديرية عامّة في وزارة، والسلام عليكم وعلى من اتبع الهدى؟
لسنا ندري لماذا تظلّ الثقافة “نمرو 2” في وطن يقوم أصلاً على الإبداع، والمبدعون فيه (لا السياسيون) هم الذين يحملون اسمه في العالم فيقطفون له أمجاداً هيهات يبلغها مع “بيت بو سياسية”.
مهما يكن من أمر وزارة الثقافة السباقة حتَّى يحكى عن دمجها اليوم، كانت لها منجزات للثقافة والعمل الثقافي يعاد إليها في التأريخ لتلك المرحلة، أبرزها عالمي، وتحديداً ما قطفته لدى منظّمة الأونيسكو من جعل بيروت عاصمة ثقافية عربية لسنة 1999. فكيف نهيء لتظاهرة عالمية بهذا الحجم ونحن حتَّى الآن لا نعرف ما مصير وزارة مرصود عليها أن تهيئ لهذه التظاهرة؟
ولماذا حتم علينا أن تبقى عندنا الثقافة هذه البنت اليتيمة التي تنتحي دوماً زاوية من المكان، لأن الصدارة تبقى للسياسة والاقتصاد والمال والخدمات، في حين الثقافة هي التي تأخذ الموازنة الأقل لتعطي المردود الأكثر على المدى الطويل، فيصبح تمويلها ذاتياً وقد يفيض فيموّل صندوق الدولة؟
نفهم أن الإلحاح الآن هو للأمور المعيشية، والدول جميعها تهتم بالأمور المعيشية الملحاحة، ولديها ما لدينا من ضرورات وأولويات، ولا تضع الثقافة جانباً في انتظار أن تتحلحل المشاكل الأخرى.
حكومة “التغيير”، إن لم تولِ العمل الثقافي أولوية كما سواه، فسوف يظلّ عملها مقصّراً، مهما حقَّقت من منجزات. ولتأخذ في اعتباراتها أن تلك البنت “اليتيمة”، ليست “يتيمة” أبداً.