الخميس 5 تشرين الثاني 1998
– 71 –
مع اقتراب السنة من أواخرها، يتكاثر الحديث عن “بيروت 1999 عاصمة ثقافية عربية”.
ورغم الغموض الذي ما زال يلف هذا المشروع الكبير، ورغم مناديات متكررة تطلقها وزارة الثقافة إلى المثقفين كي يقدّموا مشاريعهم وتصوّراتهم، لا نجد التحرّك كافياً في وسط المثقفين المعنيين أو المنتجين الفاعلين. مع أنها فرصة نادرة منحتها إيانا منظمة الأونيسكو، بمساع ثبّتها وزير الثقافة فوزي حبيش، يجب إلاّ يفوتنا قطافها على المستوى الأعلى.
فليس روتينياً (وإن يكن عادياً في تاريخنا) أن تتزاحم في بيروت وسائل الإعلام الثقافية العربية والعالمية، كي تغطي هذا الحدث طوال عام كامل، لا لتنقل إنتاج لبنان الثقافي فحسب، بل ما يجري في لبنان من تظاهرات ثقافية عربية وعالمية، هيأها أصحابها لتتم على أرض لبنان 1999.
بهذا تعود بيروت- إعلامياً على الأقل- إلى الخريطة الثقافية العالمية، ولم تكن على أولى صفحات الإعلام العالمي طوال سنوات الجمر إلاّ بصورة لا تشبه بيروت الثقافية والحضارة.
فنحن نعلم ما تعني بيروت للمثقفين في دول المنطقة، من تشكيليين وموسيقيين وشعراء وأدباء ومسرحيين ومفكرين. بيروت التي يتباهون في سيرتهم الذاتية بذكر أنهم وقفوا على منابرها أو عرضوا في غاليرياتها أو مسارحها، أو أصدروا كتاباً في دور نشرها. بيروت الرئة التي تمنحهم فسحة الحرية وتعلّمهم كيف يكون الإبداع صورة عن الذات كما هي الذات، لا كما يفرضها النظام الحاكم، أو كما يحظر النظام الحاكم أن تكون… بيروت الكتاب، بيروت اللون، بيروت المنبر الحر، بيروت المناخ الثقافي الحضاري الليبرالي المنفتح على التيارات دون قيد أو حسيب.
بيروت الرائعة هذه، أن تحتضن الثقافة في المنطقة عاصمة لها طوال سنة كاملة، فظاهرة عالمية يجب أن نكون مجنّدين لها، لا في تظاهرات محلية ثقافية فولكلورية منبرية عرضحالاتية، بل في أعمال تطلع من عمق الثقافة لتذهب إلى عمق الإبداع، حتَّى نسجّل في الذاكرة الثقافية العالمية إنتاجاً جديداً إن لم يشهده العالم عنده، فعلى الأقل يكون شهده في بيروت ومنها توزع على العالم.
… وإلاّ، نكون “للضيف مفتوحة منازلنا”: يأتي ضيوفنا، يقدّمون إبداعهم في بيروت 1999، ونكون نحن متفرجين على أرضنا، مثل سوانا من الضيوف.