64: على صنوبر الإنترنت والصحافة

الخميس 17 أيلول 1998
– 64 –
شكراً لـ”النهار” التي، برصانتها المعروفة، أشاحت عن نشر فقرات “مثيرة” (كي لا نقول “مقرفة”) من التقرير الذي أصدره الكونغرس الأميركي “ونشره” على الإنترنت في موضوع العلاقة الجنسية بين الرئيس بيل كلينتون ومونيكا ليوينسكي، بكل تفاصيل “التضاريس” والممارسات.
لم يكفِ أن تكون “ليبرالية” الأميركيين بلغت بهم حد نشر غسيلهم على صنوبر الإنترنت.
ولم يكفِ أن تكون وسائل الإعلام الأميركية تتسابق على اقتطاف أدق التفاصيل في التقرير.
ولم يكفِ ما بات يعرفه عندنا القاصي والداني، والكبار والصغار، عبر متابعة القضية في وسائل الإعلام اللبنانية، مكتوبها ومسموعها والمرئي.
لم يكفِ كل هذا، حتَّى بادرت صحف من عندنا إلى نشر أكثر مقاطع التقرير إثارة (والأصح: “قرفاً”)، دون أن تنسى اللفت إلى ذلك في شباك على صدر الصفحة الأولى كي لا يفوت القارئ اللبيب الرجوع إلى الصفحة الداخلية حيث المقاطع المثيرة.
هذا ليس عملاً صحافياً.
والصحافة “الفضائحية” لم تكن يوماً جديرة بالرصانة التي على الصحافة أن تتحلّى بها.
إن الرقابة الذاتية التي تلتزم الصحيفة أن تمارسها على نفسها، لا تشمل التصريحات والأخبار السياسية التي ترتدع عن نشرها حفاظاً على الكرامات (أو خوفاً من محكمة المطبوعات)، بل عليها أن تكون أوّلاً في الارتداع عن نشر ما يثير التقزز والقرف لدى القارئ فيحجب الجريدة عن شقيقاته وأبنائه وبناته الصبايا.
درس في الأخلاق هذا؟ أبداً. ولا هو مزايدة في المحافظة والتزمت وعدم الانفتاح.
لكن للصحافة دوراً ريادياً في المجتمع، رأسه ألا تنحدر رصانتها إلى الخلاعيات.
إن العريّ في الفن (الإيروتيسم) فنّ عال نجده حتَّى في قلب الفاتيكان. أما الخلاعة (البورنوغرافيا) فمجموعة ومرفوضة ومقرفة ومقززة في جميع الحالات العلنية والعامة.
وما يصح في الفنّ، أولى أن يصح في الصحافة، بل هو في صميم رسالته النقية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*