الخميس 10 أيلول 1998
– 63 –
نيحا كرّمت إبنها وديع الصافي، عائداً إليها من انقطاع عنها خلال سنوات الجمر.
ذهبنا إلى نيحا للمشاركة، بكل الفرح أن يعود إلى جبله الصوتي الرائع، الفتي أبداً، الشاب أبداً، النضر أبداً، الطلي أبداً، القوي والحنون أبداً، الأعجوبي الملامح والنبرة والقسمات.
وكان عرس في نيحا الوفية لابنها الفنان، وتحلّق النيحاويون حول فنانهم الكبير، وعانقوه، وقبّلوه واستذكروه أيام زمان، وهو يلهف لهم، يعانقهم، يتذكر بعضهم، ويمازح البعض الآخر، يفرح الابن الشاطر يعود لا إلى الوفاء وحده، بل إلى الولاء لكل حبة تراب من أرض ضيعته الأم.
وغنى غسان صليبا (الواثق الصوت والأداء) بضع أغنيات للكبير الوديع، في غناء أصيل أثبتت خامته القوية أنه بين قلّة يمكن أن يؤدوا أغاني كبيرنا الصافي.
والمفاجأة كانت أن تشارك في البرنامج الكبيرة الأخرى صباح. وكان بديهياً أن تغنّي باقة من أغانيها بصوتها الذي لم تفقده الأيام خامة ولا مخملاً ولا سحبة آه ولا مدة أوف. والمفاجأة الحلوة (عدا اشتراكها في تكريم الوديع وهي المعروفة بالوفاء) أنها غنّت مع وديع الصافي حوار نجلا وشاهين (من “موسم العز” الرحبانية التي اتطلقت في بعلبك عام 1960).
وكان حوار من أجمل ما نعطاه، بالغناء المباشر الذي أعادنا إلى ما نسمعه مسجلاً منهما طوال أكثر من ثلث قرن، فاستعدنا عافية غنائنا اللبناني، واكتشفنا كم تجتاحنا هذه الحملة العاهرة من الغناء السخيف الأجوف يطالعنا من الإذاعات والتلافيز وعلى مسارح المطاعم والقهاوي، بموجة أغنيات مصرية وخليجية وبدوية، هجينة تافهة تتنكّر لها مصر وبلدان الخليج والبداوة نفسها، وتتنكّر لها الأغنية اللبنانية بحزم ورفض وقسوة.
في لحظات مباركة، أعادنا وديع الصافي وصباح إلى أصالة الأغنية الرائعة النقيّة، وبصوتهما الحيّ الذي كأنهما يغنيان به عام 1960، حفظ الله هذين الصوتين ذخراً للبنان والفن.
ذهبنا إلى نيحا لنشارك في تكريم القمة وديع الصافي، فشهدنا لقاء قمتين، واستعدنا عافية للأغنية اللبنانية لا يمكن أن نجدها إلاّ على… القمم.