الخميس 12 آذار 1998
– 38 –
السبت 21 من الجاري- وعلى مسرح فوروم بيروت الذي عودنا الأعمال الكبرى- هبة القواس تقف وسط أوركسترا وكورس من 90 موسيقياً ومنشداً، يعزفون كتابتها الموسيقية وينشدون معها أغانيها وتقودهم هي في بعض مقطوعات. الأوركسترا: دنبروبتروفسك السمفونية، والكورس من دار أوبرا دنبروبتروفسك، والقائد فياتشسلاف بلينوف، والعمل سبق تسجيله في أحدث ستوديوات أوكرانيا. ذلك أن المؤلفات الموسيقية والغنائية التي أعدتها هبة، تتطلب أوركسترا سمفونية لتنفيذها، مع عود ودف أضيفا من الآلات الشرقية.
هذه الصبية التي لم تكد تبلغ ربيعها الخامس والعشرين، تظهر على جمهورها بما يحلم أن يظهر به مؤلف موسيقي في خريف عمره. ذلك أنها، منذ طفولتها الأولى، سابقة عمرها وأحلامها والمتوقع لها ومنها. كأنها مستعجلة حتَّى الخوف من هدر ثانية واحدة تقع في نهر العمر بدون توظيفها في خدمة اللحظة الإبداعية. ولذا تحث نبضها على العمل، على الإنتاج، على الوقوف أمام جمهور في بلادنا وفي العالم، كيما يصح فيها أن تكون نجمة مغامرة في سماء لبنان الموسيقى.
وما الذي في جعبتنا لهذا الريسيتال؟ موسيقى شرقية الروح والمادة، ذات تقنية مكتوبة ضمن بناء موسيقي أوركسترالي درامي لأوركسترا سمفونية، وهو بناء لم يفقد أصوله ولا جذوره من حيث اللحن والتقطيع الإيقاعي والإحساس المقامي والتوزيع الموسيقي. أما صوتها، فـ”آلة موسيقية”، رخيمة ترافق الأوركسترا، لأن الصوت البشري “أعظم آلة موسيقية”. جسدها الإنسان، وحنجرتها الأوتار.
وستقدم هبة غناء أوبراليا لا يتجاوز الغناء العربي المألوف، وإن يكن سيبدو على بعض الجمهور ببعض غرابة لم يعتد مثيلها في الغناء المعروف أو التطريب السائد. والهدف من محاولة هبة: “إضافة البعد الدرامي إلى أغنيتنا، وصولاً إلى تأسيس أوبرا عربية”.
“اقتراح موسيقي” هي، كما حددها المؤلّف الموسيقي وليد غلمية، الذي يرى فيها “الأنثى الأولى في هذا الشرق العربي تكتب الموسيقى: تؤلّفها وتوزّعها وتبنيها وتقودها وتؤديها. وقد تكون مقاماً مميزاً في عالمنا الشرقي اليوم”.
“اقتراح موسيقي وغنائي وأدائي جديد”. هذه هي الكلمة. فهكذا هبة: أطلّت على الشاطئ في غمرة زبد كثير، فلم تشأ أن تلتمع واحدة من رغوات الزبد، بل عادت إلى العمق، إلى المرساة، لتخرج إلينا حورية وثقى تحمل اللؤلؤة من القعر وترمي بها نوطة في وجه الشمس، فتلتمع الشمس على نغم اللؤلؤة ويكون عرس البهرجة الجميل، موسيقى وعزفاً وأداء وغناء وتطلعات إلى حيز جديد من الابتكار في موسيقانا والغناء، حيز يفتح الفجر واسعاً لشمس جديدة وبكارة شعاعات، تجعل كلمتنا تبلغ فن الأوبرا بعجما كان الظن أنه مغلق علينا.
كان لا بدّ من شجاعة في المغامرة. ولم نكن نحسب أن المغامرة ستأتينا بمفاجأة حسناء، في كشل صبية من عندنا راقية الموهبة، تلتمع كالمحارة الجميلة في صوت هبة القواس.