الخميس 29 كانون الثاني 1998
– 32 –
في كوبنهاغن، قامت القيامة على تعرض تمثال “حورية البحر الصغيرة” لقطع رأسه. وهو أحد أهم المعالم السياحية في العاصمة الدانماركية، لسببين: إنه مستوحى من قصة خيالية للكاتب الدانماركي هانز أندرسن، وإنه بإزميل النحات الدانماركي إدوارد أريكسون. ولذا ينتصب منذ 1913 في أعلى صخرة مطلة على مرفأ كوبنهاغن وساحلها. وأوعزت الدولة فوراً إلى غطاسين هرعوا يبحثون عن الرأس المقطوع في اللجج العميقة. وصرّح وزير الثقافة بأنه “مصاب بصدمة كبرى، ألا يستطيع حماية تراثنا من الأعمال التخريبية”.
وفي القاهرة، انتهى ترميم تمثال “الفرعون بيبي الأوّل” (67 سنتم) بعد العمل عليه 18 شهراً. وورد في تقرير المرمم الخبير كريستيان إيكمان (من المتحف الروماني الألماني في مينز- ألمانيا) أنه “تمثال نادر جداً من النحاس”، ولعلّه “أقدم تمثال من المعدن في العالم”، عمره نحو 4300 عام، تم اكتشافه في منطقة إدفو- جنوب مصر عام 1868. ووما يعتبره إيكمان “تحدياً حقيقياً” أن مهمته استغرقت هذا الوقت الطويل لأنه لم يستخدم “أية مادة كيماوية في إزالة الطبقة الكثيفة المتحجرة التي كانت تغطي التمثال وتتسبب بتآكله”.
هكذا يتعاملون مع الآثار في كوبنهاغن والقاهرة. فماذا عندنا؟
عندنا: بيبلوس، أقدم مرفأ في العالم، مدينة الكتاب الأولى التي جاءها قدموس ابن ملك صور يعرض على كهنتها ابجدية حتَّى إذا وافقوا له عليها انطلق بها يؤبجد العالم، هذه البيبلوس مهددة بأن تشطبها الأونيسكو عن لائحة التراث العالمي، بسبب “مرفأ تجاري لليخوت” يهدد المرفأ القديم، ومشروع سياحي “مودرن” يهدد بتشويه القلعة. يعثة الأونيسكو جاءت، شاهدت، وراحت تضع تقريرها وترسله إلى دولتنا. فـ”الله يستر”.
وعندنا: عنجر مهددة بالشطب أيضاً لم تتأهل قلعة سياحية تتمتع بالمواصفات اللوجستية التي تُخوّلها، وبالشروط السياحية التي تتواءم مع شروط الحفاظ على الآثار.
وعندنا: هيكل باخوس في بعلبك مهدد بالانهيار (أكرر: بالانهيار) لأن فيه تسرباً قوياً للمياه يستلزم أن تهرع الدولة فوراً إلى ترميمه ووقف التسرب، وإلاّ فالسلام على بعلبك في تقرير الأونيسكو.
وعندنا: تبقى صور، التي تعمل اللجنة الدولية لحمايتها (فرع لبنان) بجهد دؤوب أدى إلى صدور قرار الأونيسكو بتحديد الثالث من آذار “يوم صور العالمي”، وإلى موافقة فديريكو مايور المدير العام للأونيسكو على زيارة لبنان بين الأول والرابع من آذار وإطلاق نداء حي من صور إلى العالم، معلناً بداية “حملة صور الدولية”.
وفي نداء مهى الخليل الشلبي مؤخراً: “نرجو أن تبقى صور من منأى عن محاولات استغلالها… سياسياً”.
“سياسياً”. هيدي ياها. وهنا العلّة كلّها: في الاتفاق بين لبنان والأونيسكو، تضيف 4 واحات على لائحة الآثار العالمية: بعلبك، صور، عنجر، بيبلوس، “بشرط أن يحافظ لبنان عليها وينبئ الأونيسكو بكل خطر داهم”.
وهذه أعلاه ثلاث مهددة بالشطب عن اللائحة العالمية للآثار، ليس من إهمال مسؤولية الآثار عندنا، بل من تداخلات “بيت بو سياسة” الذين ما دخلوا في أمر إلاّ أفسدوه بجهل أو أُمِّية أو… تواطؤ.
بلى: مصيبة لبنان الكبرى، في “الحصة” الكبرى من طقمه السياسي.