14: بونا لويس خليفة نحن لك لأعمالك ننتظرك

الاثنين 13 كانون الثاني 1997
– 14 –
لا لعميق تقواه، فهو من نبضه راهباً، ولا لوساعة علمه، وهو العلامة المذهل المعرفة لاهوتاً وفلسفة وكتاباً مقدساً، بل لبساطته التي تأخذ منك بالقلب، حتى ليصعب عليك لا تمثلها بل حتى الحديث عنها. لكأن قامته السنبلية، ملأى بقمح الخير والمعرفة، كانت تساعد طبيته على أن تكون منه وإليه، ولا تتأتاه من خارج. لذا، وتلك البسمة الأبوية الحنون مرسومة نهدة حب على وجهه الطيب، ما كن يمكنك أن تلتقيه إلاّ وتأسرك ببساطته التي جعلت “المعلم” يغسل أقدام تلامذته بحب من جاء ليزرع في الأرض المحبة.
كان لي أتردد عليه، وهو في عنايا رئيساً.
دير مار مارون كان هاجسه الدائم: رمَّمه، طوره، جعله أنيقاً لاستقبال ألوف المؤمنين يحجون إلى الأرض التي تقدّست بخطوات شربل.
ومَحبسة مار بطرس وبولس كانت هاجسه الأعلى: رمم إليها الطريق، جعلها على غرار ما يحيط بإمكان العبادة والتقديس في العالم، وخلق للمحبسة هالة من قداسة مستمدة من ذاك الذي قال: “يا أبا الحق” وسقط على المذبح ليلة عيد الميلاد.
ذات أحد، في مسوية عابقة برائحة القداسة، بادرني: “يا هنري، ألا يوحي لك هذا المكان بكتابة نشيد لشربل، وأنت من يعرف سيرته وعجائبه؟”.
يومها، لم أجب. يوم الأحد التالي، سموت إلى عنايا، وفي يدي ورقة دفعتها إليه: “هوذا النشبد”. أخذها، ولم يستطع إكمال قراءتها: حالت دموعه على خذيه، وتلك التي سقطت على الورقة، دون إكماله قراءة النشيد:
– “ومن له؟”، بادرني بعدما مسح دموعه بيده الصغيرة.
– “ما سوى ماجدة، با بونا لويس، ماجدة الرومي”.
وليلة 29 حزيران 1984، وكنا جمعاً من المؤمنين متحلقين حول سنديانة شربل أمام المحبسة، جلس صاحب اللحن جوزف خليفة إلى البيانو، وغنت ماجدة بصوتها السماوي “نشيد شربل”، وأخذت الوديان المجاورة تردد صوتها القديس حاملاً نشيد شربل صوب النفوس العطشى إلى أنغام الروح.
كان الجمع مصلياً مع ماجدة، ليلتئذ، وكان بيننا صامت أكبر، دموعه تملأ خديه فرحاً وغبطة لما أنجز عقله المبدع في محبسة عنايا. صامت ودعناه أول من أمس، وكنا نحتاجه بعد، لروحنا وعقلنا والنفوس العطشى، وقراء “بيبليا” التي أسسها تراثاً ينضج بالتراث، صامت بانحناءة الملافنة والممتلئين بركة هي المعرفة الناضجة، الأب لويس خليفة.
يا بونا لويس، سنظل ننتظرك.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*