هو اليوم الأَول من العام الجديد. وفي يومه الأَول يَجمُلُ الوقوفُ في حضرة الفكر، واستلهامُ العقل في بدء التوجُّه.
وإِذا لبنان هو البدءُ دومًا، فالدُعاءُ أَن يكون اليوم الأَول شروقًا أَوَّلَ لشمس الأَمل والرجاء والانتظار الذي في عيون اللبنانيين، هنا وفي كلِّ هناك، كي ينهضَ لبنانُ من عثَرات دولته الفاشلة، وينفضَ عنه غبارًا أَسْوَد من دخانِ سياسييه الأَسْوَدِ خارجَ كلِّ منطق.
في منطق العقل أَن له وُجهةَ أَمان تندهنا وتقول: السعادة ليست من السِوى أَو فيه. السعادة منَّا وأَن نجدَها فينا. يكفي أَن نعي ما منحتْنا الحياة ولم تحرمنا منه كما حرَمَت منه سوانا.
السعادة أَن نتمتَّعَ بالصحة، أَن ننامَ على سرير البيت لا سرير المستشفى، أَن تكونَ لنا متعة التنقُّل أَينما وكيفما وحيثما شئْنا بدون حذَر أَو شكوك، أَن تبقى لنا طاقةٌ على الابتسام ونعمةٌ للضحك وفرصةُ أَن نستمتع بالصباح يهِلُّ علينا من وجهٍ نحبُّه أَو صوتٍ ننتظره، أَن نظلَّ إِيجابيين فنسيطرَ على السلبيات حولَنا بتقليصها، وعلى السلبيين حولَنا فنترجلَ ذاتنا مرآةً لهم يتردَّدون فيها عن التوغُّل في السلبي، أَن تظل لدينا قوةُ العزم على اقتحام شوك الوردة بلوغًا إِلى شفاهها والعطر.
بلى… السعادةُ أَن نرى إِلى مَن حولنا فنرى ما لديهم من تعاسةٍ ووجع، ونكتشفَ صامتين أَنْ ليس لنا ولا فينا هذا الوجع وتلك التعاسة، ونسعدُ بما فينا ولنا فتكونُ السعادة دربَنا إِلى انتظار الغدِ بشوقٍ لا بـحذَر، بـتَوَقُّع لا بـتَوَجُّس، وبأَملٍ لا بقُنُوط.
هكذا نكتشفُ أَن السعادة ليست خارجنا فلا طاقة لنا على بلوغها، بل هي في ذاتنا وتنتظرُنا كي نكشفَ عنها فتظهرَ لنا بآنقَ ما فيها، وتمنحَنا الفرح والزهو والنشاط، ونشعرَ أَن الحياة فينا لا نحن فيها، وأَن لكل طارئ دربًا نُخرجُه منه قبل أَن يَدخل فينا، وهذه هي الأُمنية التي يرجوها الإِنسانُ المتبصِّر فيبذلُ لها كلَّ رجاء.
في اليوم الأَول من الشهر الأَول من العام الجديد، نقفُ في حضرة الفكْر، نستلهمُ العقل، نُضيْءُ حلْمًا في ضياء النهار فنرى ما خلفَ المظاهر العابرة والآنيَّات اليومية، ونظلُّ نقرأُ في قوس الغمام وعدًا بالصحو الآتي، وفي السنابل السمراء وعدًا بأَغمار البيادر، وفي بسمة طفلةٍ تكاغي وعدًا بغدٍ آتٍ إِلى قلوبنا في موسم الربيع.
في اليوم الأَول من الشهر الأَول من العام الجديد، نفتتحُ السنة بنعمة القوَّة التي لا قوَّةَ فوقَها: نعمة الحب.
هـنـري زغـيـب