بيروت هي الجائزة
“أَزرار” – الحلقة 1243 – “النهار” السبت 15 تشرين الأَول 2022

ما إِن تنحسرُ أَصداءُ جائزة “نوبل للأَدب” (نالتْها هذا العام الكاتبة الفرنسية آنّي إِرنو) حتى تبدأَ أَصداءُ الكبيرة الأُخرى “جائزة غونكور” تتردَّد في الأَوساط العالمية، وخطواتُها قبل الأَخيرة ستصدر إِلى العالَم من بيروت.

نعم: من بيروت الوجيعة – بسبب إِهمال حُكَّام نيرونيين تخلَّوا عن احتضانها – ستُعلِن لجنة “غونكور” عن آخر أَربعة مرشحين نهائيين على لائحة 2022. وسيكون ذلك فاتحة مهرجان دولي كبير يستقبل 50 كاتبة وكاتبًا فرنسيًّا يجولون (بين 25 و30 من هذا الشهر) على 30 مقرًا ثقافيًّا في بيروت وسائر لبنان، يركِّزون فيها شمسًا أَدبية تشعُّ في بلادنا فوق العتمة التي أَوقعنا فيها حُكْمُ “بيت بو سياسة” وأَذنابهم.

حدثٌ عالَميٌّ كبير يُعيد الأَلق إِلى بيروت، بيروتنا الغالية التي كانت طويلًا عاصمة الكتاب في الشرق وسوف تشهد أَول مهرجان أَدبي بعد نيران جلَّاديها، وسوف تنهض إِلى قَدَرها بفجر لبناني ساطع. فالمنظِّمون لم يشاؤُوا أَن يُسَمُّوا التظاهُرة مجرد “معرض الكتاب الفرنكوفوني” (وكانت بيروت احتفلت سنة 2018 بيوبيل 25 سنة على معرض الكتاب السنوي الفرنكوفوني فيها) بل وسَّعوها إِلى “المهرجان الدُوَلي والفرنكوفوني للكتاب” وجعلوا اسم التظاهُرة “بيروت الكُتُب”.. ولْيَخْرَس أَمام هذا المجد العالَمي نقيقُ الضفادع المحليُّ المأْجور.

إِنها بيروت الثقافة (الـمُشرقة فوق بيروت السياسة التافهة)، الغالية بيروت الإِبداع، تعرف كيف تكرِّم المبدعين عالَميًّا وعربيًّا ومحليًّا.

كيف؟

عالَميًّا: بعد 10 أَيام (الثلثاء المقبل 25 الجاري) يقف أَعضاء “جائزة غونكور” في قصر الصنوبر ويعلنون من بيروت أَسماء الأَربعة النهائيين، وتتردَّد في صحافة العالَم أَصداء هذا الحدث من بيروت الثقافة.

محليًّا: الأُسبوع الماضي كانت جمعية “تراثُنا بيروت” (إِحدى أَنشط الجمعيات التراثية في لبنان) كرَّمت الإِذاعي والمسرحي الكبير المخرج محمد كريِّم محتفيةً به في “دار الندوة”.

عربيًّا: بعد 4 أَيام (الثلثاء المقبل 18 الجاري) تحتفل “مؤَسسة أَنْوَر سلمان الثقافية” في الجامعة الأَميركية-بيروت وتعاوُنًا معها، بالدورة الثانية من “جائزة أَنْوَر سلمان للإِبداع” وتمنحُها الشاعرةَ الأُردنيةَ مَهَا العتُّوم والشاعرَ العُمَاني حسَن المطروشي، وتعلنُ خبرًا سعيدًا لبنانيًّا وعربيًّا: إِصدار “دار نلسون” كتاب “خليل حاوي-الديوان الأَخير” جامعًا قصائد غير منشورة للشاعر الكبير تُكمل ما صدر له من مجموعات شعرية كرَّستْه بين كبار شعراء العصر.

بلى: هذه هي بيروت، الخالدة بيروت… تحاقَرَ سياسيُّوها فسبَّبُوا لها انفجارًا صَبَغ العصر بالفاجعة، وراح الأَقربون والأَبعدون يَندُبونها ويَنوحون كأَنها ماتت… مش صحيح… أَبدًا مش صحيح… بيروت لم تَمُتْ ولا تموت ولن تموت… بيروت الانفجار احترقَ منها فستانُ العرس ولم يحترق قلبُ العروس… وسوف تعود أَبهى… وسوف تعود أَجمل… وسوف تعود أَسطع… إِنما لا بأَفعال سياسيين أَيديهم ممرَّغة بالوحل القَذِر يقيمون لها تماثيل من طين وسِخ يشبهُهُم وتنهار معهم فور يَسقطون، بل تعود بيروت بأَعمال أَهل الفكر والآداب والفنون: هُم المبارَكون الأَيديهم ممسوحةٌ بزيت الجمال ويقيمون تماثيل من رخام ومرمر.

هذه هي بيروتُنا الحبيبة التي وَسَمَها الأَخطل الصغير بــــ”وطن الحضارة والنُهى” وأَضاف: “الحبُّ يبني والجفاء يُهَدِّمُ”.

أُمُّ الشرائع؟ بسيطة… هذه صارت عادية. معروفة وعادية… بيروت هي أُمُّ الإِبداع والبطولات والشهادة في سبيل لبنان اللبناني.

عاصمة لبنان؟ هذه صارت معلوكة من كثيرين جعلوا للبنان هويَّات مستعارة… بيروت، الرائعة بيروت، بيروتنا نحن، هي عاصمة لبنان اللبناني. وبهذا الوجه الفريد تُطلُّ على العالم عروسَ الشرق، ويُطلُّ أَبناؤها المبدعون مناراتٍ ساطعةً على شاطئ هذا المتوسط.

تَـمنحُ الجوائزَ بيروت؟ بل بيروت هي هي الجائزة.

بيروت… بيروت… بيروت… بيروت… ولا تَـــنْـــتَـــهِ صباحات الجمال.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib