يمكن اختصارُ هذا الأُسبوع القاسي بكلمةٍ واحدة: “الـهَلَع”. وهي متعددةُ المدلول: الـهَلَع من سقوط الليرة اللبنانية إِلى أَدنى مستوياتها في التاريخ، الـهَلَع من فقدانٍ متزايدٍ في الأَدوية الأَساسية، الـهَلَع من إِقفال أَبواب المستشفيات، الـهَلَع من انقطاع الخبز، الـهَلَع من العودة إِلى استجداء “عمَّال” محطات البنزين، الـهَلَع من ارتفاع أَسعار السلع، الـهَلَع من شراسة الجوع والفقر والذُلّ، الـهَلَع من غياب المعالجة الرسمية التي يشعر المواطنون حيالها بأَنهم متروكون لقدَرهم المتوحش.
والـهَلَع الأَكثر توحُّشًا: شعورُ المواطنين أَن كلمة “الهلَع” في قلوبهم تقابلها لدى المسؤُولين ثلاثُ كلمات راعبة هي: “الجشَع” و”الطمَع” و”الفجَع”: “الجشَع” في وقاحة اللاقرار واللامعالجة، “الطمَع” في الاهتمام بحسابات مقاعدَ سياسية ونيابية ووزارية، و”الفجَع” الذي يُفجِع به السياسيون شعبَ لبنان بفاجعة جديدة كل يوم.
وما يزيد الهلع اضطرابًا: هذا السيلُ المتدفِّق على مدار الدقائق لا الساعة، يَنهمر نعيًا تهديديًّا على شاشات الهاتف المحمول، رسائلَ نَصيةً فجائعية، أَو أَخبارًا قصيرةً كارثية، أَو عناوينَ أَخبار مأْساوية، يروح يتداوَلُها المواطنون ويتراسلون بها، تَبادُلًا أَو إِخبارًا مباشِرًا في الجلسات. وكثيرًا ما أَكون في زيارة أَو لقاء، فأَرى حولي أَياديَ حاملةً أَجهزةَ الهاتف المحمول، وعيونًا منتظرةً رنةَ الخبر “الواتسآپِّــيّ” حتى إِذا جاء الخبر، قاطَعَ متلقِّيه جميعَ الأَحاديث حولَه، وراح يَزعق قارئًا راعبًا ناعبًا ناعيًا ما يكون تَلَقَّاه على شاشته، وكذا يفعل قبْله وبعده المجتمعون.
وبذلك تَحوَّل الشعب اللبناني في معظمه ناطور “السيلولر” يترقَّب آخر أَخبار الدولار وأَسعار السلع وحفلات المصارعة المقرفة بين أَهل “بيت بو سياسة”، ومَن صرَّحَ ضدَّ مَن، ومَن ردَّ على تصريح مَن، ومن كان أَقذعَ شتمًا على خصمه، حتى بات كثيرون من اللبنانيين فئران مختبرات لدى “بيت بو سياسة”، لا يتداولون في جلساتهم سوى أَخبار زعمائهم أَي: جلَّاديهم الشرعيين.
في بعض الإِحصاءات أَن لبنان بلغ أَرقامًا قياسية في الغلاء وسقوط العملة وأَسعار المخابرات الهاتفية ومؤَشِّرات الغلاء العام ومعدَّل الفقر والجوع. ولستُ أَستبعد أَن يَبْلُغَ لبنان، بدولته المهشَّمة وسلطته المهشِّمة، رقمًا قياسيًّا في الغرق أَكثر بعد، فيكون “تايتانيك” العصر بين البلدان في الغرق الفاجع.
قلت لستُ أَستبعد، لا تشاؤُمًا ولا نَـــقًّــا ولا سلبيةً، بل لأَنني أُتابع غرَق السفينة تَوَازيًا مع متابعتي ربابنةَ السفينة ومساعديهم ومستشاريهم وأَزلامهم ومحاسيبهم، لاهين عن الشعب بأَهوائهم وهواءَاتهم والتهاءَاتهم بشؤُونهم الخاصة حتى فلا وقتَ لديهم كي يتنبَّهوا إِلى جَبَل الجليد المرعب الذي ستصطدم به السفينة وتنشقُّ وتغرقُ إِلى قعر محيط الخيانة العظمى.
أَقول هذا ولا أَفقد الأَمل. ففجْرُ التغيير الذي بدأ – إِذا استمرَّ بالشروق نقيًّا صادقًا ملتزمًا مبادئَ مَن انتفضوا وثاروا وبلغوا “ساحة النجمة” – لا بُدَّ أَن يُطلع ولو نُورًا أَوَّلَ، على لبنانٍ جديدٍ، بدأَ بالخَطَوات الأُولى في رحلة الإِنقاذ من يوضاسييه الخَوَنَة، لئَلَّا يصير لبنان، في الإِحصاءات العالمية، “تايتانيك” الدول الزائلة في هذا العصر.
هـنـري زغـيـب