لأَنه وطنُ مارون محمد علي
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1567 – “صوت كلّ لبنان” – الأَحد 8 أَيار 2022

صدمَني خبرٌ سمعتُه أَمس من صديق لي كان يُحاضرُ في إِحدى الجامعات عن تاريخ لبنان الحديث بعد الاستقلال. حين وصل إِلى عهد الرئيس فؤاد شهاب، استطلع الطلَّاب ما يعرفونه عنه، فأَجاب طالب فورًا: “إِنه صاحب ملعب فؤَاد شهاب في جونيه”.

صادمٌ طبعًا هذا الخبر، لسطحيَّة ما يَختزن طلابُنا عن لبنان الحديث، وأَلَّا يعرفوا منه وعنه إِلَّا وجوهَ سياسيين حاليين يملأُون اليوم الشاشات والصحفَ ونشرات الأَخبار ومواقع التواصل الإِلكتروني، ومعظمُهم سيجرفهم الزمن بعدَ حين كما يعلو الزبد على ظهر الموج ثم لا يلبث أَن يهبطَ حين يبلُغ الرملَ فيبتلعَه الحصى إِلى النسيان.

هذا لأَقول إِن جيلنا الجديد ينشأُ وَقودًا في محارق السياسيين الحاليين، وحُبوبًا في سُبْحات السياسيين الحاليين، ولا ينشأُ على مواطنية واحدة موحَّدة تجعلُ منه جيلًا مهيَّأً ليحكم غدًا لبنان. شبابُنا وصبايانا تابعون لسياسيي مناطقهم لا لكل لبنان، فمَن هم في منطقةٍ، يتعصَّبون لزعيمها ويخاصمون من هُم في منطقة أُخرى لأَن زعيمَهم يخاصم زعيمَ هذه المنطقة أَو تلك.

إِنه البلد الـمُشَلَّعُ مناطقَ نفوذٍ سياسيةً، عوض أَن يعرف تاريخَه أَبناؤُه وطنًا واحدًا من أَقصى نهره الكبير إِلى أَقصى ناقورته إِلى أَقصى هِرملِه إِلى أَقصى موجة تستريح على شاطئه الجميل. هذا التشلُّع هو الذي يُعيقُ وضْع كتاب تاريخ لبنان لتلامذتنا في المدارس، لأَن كتابته لا تخضع للتاريخ بل لجغرافيا القبائل السياسية والطائفية على مساحة أَرض لبنان، ولا تجمعها مواطنية واحدة.

وعلى ذكر المواطنية الواحدة: لَفَتَتْني هذا الأُسبوع ردودٌ نبيلةٌ من أَصدقاء كنتُ أَرسلت لهم دُعائي بعيد الفطر مقتطِفًا في الدعاء آيةً كريمةً من سورة البقرة تَذكر إِكمالَ عِدَّة رمضانَ المبارك إِلى أَن يهل قمَرُ شَوَّال.

قلتُ “لَفَتَتْني” ردودُهم لِما جاء فيها من امتنانٍ لخروجي عن حدود الطائفة، وأَن يُهنئَ مارونيٌّ رفاقَه المسلمين بفِلْذةٍ من آيةٍ قرآنية كريمة، فيما أَنا أَتيتُها تلقائيًّا من مواطنيَّتي التي تؤْمن بالإنجيل والقرآن والحكمة كتبًا لصلاة المواطنين، وإِن توزَّعت عباداتهم كلٌّ في كنيسته أَو مسجده أَو حُسَينِيَّتِه أَو خَلْوَتِه.

هكذا أَفهم المواطنية.

وهكذا أُؤْمن بلبنان اللبناني: وطنًا واحدًا ذا عائلات روحية يوحِّد بينها الإِله الواحد الرحمن الرحيم، ولا يفرِّق بينها سوى الـمُغْرضين الذين، لحفْظ نفوذهم، يُجَزِّئُون لبنان مناطقَ سياسيةً وطائفية.

وهكذا أَرى مارون ومحمد وعلي أُسرة لبنانية واحدة، تحت سماء لبنان الواحد، على أَرض لبنانية واحدة، وأُخاطبهم إِخوةً لبنانيين بعيدًا عن زعمائهم الذين يفسِّخون البلد ليَرتعوا هم بِحُكْمه والتَحَكُّم به.

أَما أَنا، من مواطنيَّتي اللبنانية، فسيبقى مُواطني كلُّ مَن يؤْمن مثلي بأَننا أَبناء أَرض واحدة.

وسيبقى مواطني كلُّ مَن يُعلن: “أَنا لبنانيٌّ أَوَّلًا، وأُصلي لربِّي في كنيستي أَو مسجدي أَو حُسَينِيَّتي أَو خَلْوَتي”.

وسيبقى مواطني كلُّ مَن يقول مثلي إِن السياسيين غدًا إِلى زوال ونسيان، وإِن الباقي أَمس واليومَ وغدًا هو الوطن اللبناني الذي أَنحني لعلَمِه، وما إِلَّا إِليه لي شرفُ الانتماء.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib