أُواصلُ ما بدأْتُ به السبت الأسبق (“أَزرار” 1208) عن لبنانيين في مصر جعلوا لبنانَ “منارةَ العرب” كما سَمَّاهُ رئيس مصر عبدالفتّاح السيسي.
في ذاكرة مصر ابنُ بعلبك خليل مطران (1872-1949) شاعرُ القُطرَين (لبنان ومصر) أَمضى فيها المرحلة الخصيبة الأَوسع من حياته، كاتبًا في “الأَهرام” وسواها، وشاعرًا مُشكِّلًا أَحدَ ثالوث مصري خالد مع أَحمد شوقي وحافظ ابرهيم.
وهذا الأَخير (1872-1932)كتَب، في ما كتَب، عن لبنان واللبنانيين:
نسيمَ لُبنان كم جادَتْكَ عاطرةٌ من الرياض وكم حَيّاكَ مُنْسَكِبُ
في الشرق والغرب أَنفاسٌ مُسَعَّرةٌ تَهفو إِليكَ وأَكبادٌ بها لَهَبُ
رادوا المناهل في الدنيا ولو وَجدُوا إِلى الـمجرَّة ركْبًا صاعدًا رَكِبُوا
وللكبير أَحمد شوقي (1870-1932) أَبياتٌ متلأْلئَةٌ في لبنان:
لبنان والخُلْدُ اختراعُ الله لم يَزْدَنْ بأَحسنَ منهما مَلَكُوتُهُ
بلَغ السُها بشموسِه وَبُدُورِه لبنانُ، وانتظمَ المشارقَ صيتُهُ
هو ذُروةٌ في الحسْن غيرُ مَرومةٍ وذُرى البراعة والحجى بيروتُهُ
وتجذُبه زحلة لبنان فيهتف:
لُبنانُ ردَّتْنـي إِليكَ مـن النـوى أَقـدارُ سَـيْـرٍ للـحـيـاةِ دَرَاكِ
شرفًا عروسَ الأَرْز كلُّ خريـدةٍ تـحتَ السماءِ من البـلاد فِـداكِ
إِن تُكْرمي، يا زَحْلَ، شِعـري إِننـي أَنكـرْتُ كـلَّ قَـصـيـدَةٍ إلِاَّكِ
وهوذا كبير خالد آخر من مصر: عميدُ الأَدب العربي طه حسين (1889-1973) يقف في بيت مري (صيف 1944) ضيفًا يكَرِّمه وزير التربية حبيب أَبو شهلا فيُعلن للُّبنانيين أَن “الأَدب العربي الحديث في مصر وفي الشرق العربي كلِّه مَدينٌ للبنان بنهضته، لعلمائكم وأُدبائكم الذين سبَقُوا في القرن الماضي إِلى العناية بدرس الأَدب العربي القديم وإِحيائه، وتوثيق الصلة بين العقل العربي الشرقي والعقل الأُوروپي الغربي”.
وفي ذاكرة مصر الكاتبةُ اللبنانية مي زيادة (1886-1941) التي حافظَت على جذور لبنان في أُسْرتها مع أَن معظم حياتها كانت في مصر حتى أَن السلطات المصرية رفضَت نقْل جثمانها من القاهرة إِلى بيروت بحجة أَن لمصر الحصة الأَكبر فيها.
وفي الفكر والأَدب والأَكاديميا تسجِّل ذاكرةُ مصر أَسماء لبنانيين مؤَثِّرين، منهم الأُستاذ اللامع في الجامعة المصرية بشْر فارس (اسمه الأَصلي إِدوار: 1906-1963)، والشاعرة وردة ناصيف اليازجي (1838-1924).
وفي ذاكرة مصر من اللبنانيين في دنيا الفنون: الموسيقيّ فريد غصن (اسمه الياس شلالا 1912-1985) أُستاذ فريد الأَطرش في العزف على العود، ومؤَسس فرع مصر لـ”جمعية المؤَلفين والملحنين” قبل أَن يتولى رئاستَها محمد عبدالوهاب. وفي السينما تمثيلًا وإِنتاجًا: “عميدة الإِنتاج السينمائي في مصر” آسيا داغر (اسمها الأَصلي أَلماظة داغر:1901-1985) وابنة شقيقتها ماري كويني (اسمها الأَصلي ماري يونس: 1913-2003)، وفي الغناء: لور دكاش (1817-2005)، ونور الهدى (أَلكسندرا بدران: 1924-1998) وصباح (جانيت فغالي: 1927-2014). وفي المسرح جورج أَبيض (1880-1959) أَول نقيب ممثلين في مصر ومؤَسس “معهد الفنون المسرحية”.
تَطُول اللائحة… تطول ولا تنتهي، وتبقى في ذاكرة مصرَ الوفيَّةِ أَسماءُ لبنانيين وَجدوا في مصر فسحة حرية فقصدوها وبرعوا، وسجَّلوا للنهضة العربية نجاحات إِلى نجاحات المصريين، وعَمُرت بهم مصرُ طليعةُ تلك النهضة فترتئذٍ. وهذا، أَكيدًا، ما كان في بال رئيس مصر حين سمَّى لبنان “منارة العرب” وهو يستقبل رئيس حكومته الذي أَظُنُّه أَدرَكَ صامتًا أَنَّ التي قصدَها رئيسُ مصر كانت منارةَ لبنانَ الوطنِ الخالد لا عتمةَ لبنانَ الدولةِ المتهاوية.
هـنـري زغـيـب