كي لا يَهْجُرَ أَولادُنا أُمَّهم
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1547-“صوت كلّ لبنان”–الأَحد 19كانون الأَول2021

أَمس السبت، كما العادةُ السنوية كل 18 كانون الأَول، كان “اليومُ العالميُّ للُّغة العربية”، وَفْقَما اعتمدَتْه منظَّمة الأُونسكو بقرارها 3190 في جمعيتها العامة نهار 18 كانون الأَول 1973 بــ”إِدخال العربية لغةً دُوَليةً رسميَّةً سادسةً مع لغاتها الخمس الرسمية ولغات العمَل في الأُمم المتحدة”.

يأْخذني هذا الأَمر إِلى طرح العربية في المدارس، لغةً يستصعِبُها التلامذة فَيَمُجُّونها، ولا تعود لديهم أَيُّ رغبة في تَعَلُّمها، ما قد يسبِّب لهم خلَلًا يؤَثِّر على علاماتهم العامة في سائر المواد.

ومن خلال اشتغالي سابقًا، قبل نصف قرن، في التأْليف المدرسي (منذ 1972) يمكنني القول إِن المسؤُولية في المعضلة رُباعية:

أَولًا: مسؤُولية الكتاب المدرسي، حين تكون نصُوصُه حَرفيَّةً من كُتَّاب لم يكتبوها أَصلًا للصغار أَو الفتيان، يأْخذها المؤَلفون المدرسيون كما هي، بصعوبات مفرداتها ومعانيها. ولا تنفع فيها شروح على هامش الصفحة لأَن التلميذ يكون مجَّ النص ولن يقْنِعَهُ به  أَيُّ تفسير. هذا عدا طبعاتٍ للكتُب المدرسية العربية سيِّئة الإِخراج والورق وتوزيع الأَقسام والفصول والحرف الطباعي.

ثانيًا: مسؤُولية التدريس حين المدَرِّس أَو المدَرِّسة على غير تمكُّن من العربية أَو في غير براعة في تقديمها إِلى التلامذة بصيغة سائغة مشوِّقة تحبِّبُهم بالنصوص أَو بقواعد اللغة، فيرفضُ التلامذة المدَرِّس أَو المدَرِّسة والكتابَ المدرسي واللغة العربية، خصوصًا عند إِعطائهم فروضًا صعبة تقهر التلامذة وأَهلَهم حين يحاولون تدريسهم.

ثالثًا: مسؤُولية منَسِّقي اللغة العربية في المدارس، حين لا يختارون للتلامذة أَفضل ما في الوسط التربوي بل يختارون سلاسلَ مدرسيةٍ لا يكفي أَنها تتَّبع المنهج الرسمي بل هي جامدةٌ جافةٌ ليس فيها أَيُّ ملمَحٍ من الوسائط التربوية السمعية والبصرية الإِلكترونية الحديثة التي تُحَرِّك تدريس اللغة وتَلَقُّفَها برغبةٍ يجدُها التلامذة إِجمالًا في كتب اللغات الأَجنبية.

رابعًا: مسؤُولية إِدارة المدارس التي تنساق مع المنسِّقين في تقرير سلاسل الكتب المدرسية، أَو تعتمد الإِدارةُ سلاسلَ يغري مؤُلفوها المسؤُول الإِداري بهدايا مالية أَو عينيَّة من كل نوع، فيكون التلامذةُ ضحايا هذا الاختيار.

والمسؤُولية أَيضًا، خارج الحَرَم المدرسي، تنسحب أَيضًا على الإِعلام حين يتولى البرامجَ ونشراتِ الأَخبار مَن ليسوا متمكِّنين في اللغة العربية فَتَتَدَحرج كلماتُهم حجارةً بأَخطاء فاضحة، ولا مَن يتابع ولا مَن يحاسب ولا من يُراقب. والإعلامُ هنا يلاقي إِصرار معظم السياسيين على التصريح بالفُصحى والإِجابة بالفصحى والحوار بالفصحى، وهُم ذَوو مواهب شتَّى، في طليعتها جهْلُهم الفاضح بالعربية وإِصرارهم على التغريد بها.

عدَّدتُ بعضَ المسؤُوليات، حرصًا على لغتنا الكتابية الأُم. لكن الأَمر يستوجب علاجًا ميدانيًّا يَشفي المسبِّبين من تصرُّفاتهم الرعناء، ويُنقذ التلامذة من أَن يَهجروا أُمَّهم، كي لا يَتَيَتَّمُوا لُغويًا ويَلْجأُوا إِلى أَيِّ حضْن لُغَويّ آخر يَغمرُهم بحنانٍ تربوي يَجذُبُهُم إِليه في استحقاق وجَدارة.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib