لم يكُونوا يتوَقَّعُون الرقم. حين طالَعَهُم صَدَمَهُم. أَخافَهُم. 244442 تسجَّلوا ليقترعوا.
شو يعني؟ يعني ربع مليون لبناني هم بعضُ الحضور اللبناني الساطع في العالم. ويعني أَن رُبع مليون لبناني (بين ملايين عدَّة) هم خارجَ سيطرة طقمٍ عَفِن متحكِّمٍ بالناس على أَرض الوطن، ظلَّ يتعهَّر حتى أَوصل اللبنانيين إِلى أَن ينتهُوا، بسببه، شحَّادين على أَرصفة الدُوَل.
بين الهجرات اللبنانية المتعاقبة إِلى دول العالم، قد تكون الهجرةُ الحديثة، بفصولها الأَخيرة منذ سنوات قليلة، أَقسى هذه الهجرات قرَفًا ولعنةً وحقدًا وغضبًا على حُكَّام لبنان منذ سنوات، لأَنهم كانوا السبب في هجرة أَدمغة لبنانية حُرة وضمائر لبنانية حُرة وفئات لبنانية حُرة وكرامات لبنانية حُرة، وتاليًا سيرتدُّ هؤُلاء المهاجرون الجدُد على هذا الطقم السياسي لــ”يَقْبَعُوه” من جذوره النتِنة، تضامُنًا وجدانيًّا مع المقيمين الثائرين الغاضبين الحاقدين عليه لِما يتبدَّى كل يوم من فساده وفضائحه وصفقاته الفاجرة التي دَهْوَرَت الدولة اقتصاديًا وماليًّا ودپلوماسيًّا كما لم تتدَهور دولة في العالم بهذا البؤْس الفاجع.
أَقول الدولة وأَقصد “الكلمة” ولا أَقول “الوطن”. فالمهاجرون الجدُد، كما السابقون، يلعنون الدولة المجرمة ويتعلقون بالوطن الأَقدس. هاجروا من الدولة فَهَجَروها لأَنها هجَّرتهم، ولم يهاجروا من الوطن ولا هَجَروه. وغضبُهم يحملهم إِلى طرد السياسيين لاستعادة الوطن منهم وإِعادته لؤْلؤَة الشرق بعدما صيَّره السياسيون بائس الشرق. ذلك أَن اللبنانيين الأَحرار، مقيميهم ومهاجريهم، يعتبرون الوطن لكل فردٍ منهم وليس ولا بأَيِّ حالٍ لأَيِّ سياسيٍّ أَوكله الشعب مصيرَه فخَان الوكالة والأَمانة والثقة، وقاد الدولة بفشله إِلى تعاسة المصير.
ربْع مليون تسجلوا ليقترعوا لأَنهم، أَيًّا يكن العدد الذي سيتسنَّى له الاقتراع، كفَروا بحكَّام البلاد الذين خانوها فلا مصيرَ لهم سوى التينات اليابسة. من هنا أَن قوة التغيير الحقيقية مرصودة على مهاجرين غاضبين – مهما كان بينهم تابعون حزبيًّا أَو وَلائيًّا بعضَ زعماء هذه الدولة – تبقى للأَكثرية بينهم قوةُ دفعٍ هائلةٌ صوب التغيير. ومَن يحدُثُ أَن أَتَّصِل بهم في أُوروپا أَو أَميركا الشمالية ينفجرون لعنةً على هذا الطقم السياسي، ويتحدَّثون عن الوطن بلَهفةٍ بَنَوية حارقة فيصبُّون حقدهم على قادته الخوَنة الذين أَحرقوا دولته بنيران مصالحهم الشخصية وشيطناتهم الشخصانية بين رئاسية ونيابية ووزارية، غير سائلين عن مصير الشعب ومستقبله. وفي عَــبَّــارات غير شرعية ومراكبَ عشوائية يمتطيها لبنانيون هاربون من موت بليد إِلى موت أكيد، لنا مثالٌ على كفْر المواطنين بدولتهم التي نزعَت عنهم كل حماية اجتماعية ومعيشية.
المهاجرون الجدُد، وكذلك السابقون جميعًا، لم يغادروا ليشكِّلوا “دياسپورا” الشتات والتشرُّد والانتشار (لفظة “دياسپورا” لا تنطبق أَبدًا عليهم) بل ليشكِّلوا حضورًا فاعلًا في العالم أَينما يحلُّون، كافرين بدولتهم التي تَقَزَّمت إِلى دولة مذاهب فسيفسائية متسلِّطة متحكِّمة، ولن تكونَ يومًا دولةً تختار أَصحاب المواهب فيها ليقودوا البلاد في كل قطاع.
وما دام المعيار باقيًا في الانتخابات النقابية أَنّ هذا المرشح يدعمه هذا الحزب، وذاك المرشح يدعمه ذاك التيار، وذلك المرشح مدعوم من جماعته الطائفية أَو المذهبية، فسنبقى نرى مهاجرين جُدُدًا يحملون مواهبهم ويغادرون إِلى دُوَل تتلقَّف المواهب الجديدة دون النظر إِلى مذاهبها إِلَّا مذهبًا وحيدًا: الكفاءة.
ومتى يصبح لكل كَفِيٍّ مكانٌ في دولة لبنان، يعود إِليه الأَكفياءُ من مَهَاجرهم، ويكون على يدهم استردادُ الوطن من مخالب سلطة فاجرة قادت الدولة إِلى الانهيار، وأَساءَت إِلى سمعة الوطن الـرائع: لبنان اللبناني.
هـنـري زغـيـب